م. بدر بن ناصر الحمدان
قبل عامين، رافقت أحد زملاء العمل في مهمة ميدانية كانت تتطلب المرور بالسيارة على عدد من المدن والقرى والهجر على مدار يومين، وقبل انطلاقنا من الرياض توقفنا عند محطة الوقود للتزوّد ببعض التموين، وأخرج حينها حقيبة يد صغيرة فيها عدد كبير من فئة «الريال»، وفي كل مرة كان يعطي ريالاً أو ريالين عامل المحطة أو بائع التموينات أو عامل النظافة الذين يصادفهم في طريقه، تكرر ذلك في كل المواقع التي مررنا بها في طريقنا طوال فترة هذه الرحلة، لدرجة أنه كان يتوقف فجأة على طريق صحراوي ليعطي مثلها لراعي أغنام، أو سائق شاحنة متوقف وما في حكمهما.
قادني فضولي لسؤاله عن هذا العمل الذي يقوم به بهذا الأسلوب البسيط والسهل، حينها قرأ قول الله تعالى: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ}، وقال لي: هل تعلم أن الميت لو عاد إلى الدنيا لاختار «الصدقة» لفضلها وعظم أجرها، ثم ذكر أنه في وقت سابق كان يعاني من تعثر في مجالات كثيرة في حياته وقادته الصدفة للاستماع إلى محاضرة عن فضل الصدقة وتأثيرها على حياة الإنسان في دينه ودنياه.
قرّر بعدها أن ينتهج هذا الأسلوب لأن حالته المادية كانت ضعيفة ولا يستطيع أن يتصدَّق بمال كبير أو صدقة عينية تتطلب ثمناً لا يستطيعه، حين جاءته فكرة أن يصرف من البنك مبلغ 500 ريال شهرياً من فئة الريال ويضعها في درج السيارة ويعطي كل محتاج يصادفه في يومه ريال أو ريالين، وقد درب نفسه عليها منذ سنوات، ويقول متأثراً أنه لم يجد بعدها إلا كل توفيق وتيسير من الله في أمور حياته التي تغيَّرت إلى الأفضل، وعاهد نفسه منذ ذلك الحين أن لا يتخلَّى عن عادته هذه أبداً.
بعض الأمور البسيطة في حياتنا قد تُحدث تحوّلات إيجابية كبيرة قد لا نتوقّعها في أنفسنا وأولادنا وما يحيط بنا من شؤون، لأننا قد نستصعب القيام بها أو نتكاثرها أو نصد عنها، ومثل منهج «فئة الريال» هذا قد يمنحنا فرصة لتربية سلوكياتنا على مساعدة الآخرين من الأشخاص البسطاء بأسلوب «مرن» و»مستمر»، يكون مع مرور الوقت جزءاً من تصرفاتنا اليومية المبنية على التكافل.
تذكر أن «ريالاً واحداً» يومياً قد يغيِّر حياتك إلى الأجمل، الأمر في غاية السهولة، كل ما تحتاجه الآن هو حقيبة صغيرة، وزيارة قصيرة للمصرف بعد قراءة هذا المقال، وتكون حينها قد بدأت رحلة التغيير.