بشرى فيصل السباعي
في كل العالم العقائديون من كل انواع العقائد سواء الدينية أو اللادينية كالشيوعية والقومية والعرقية والسياسية، بكل البلدان يعتقدون أن هناك مؤامرة كبرى ضدهم، فدائماً افتراض وجود مؤامرة يمنح إجابة ما لقاصري الفهم عن استيعاب الأسباب الحقيقية للأمور والأحداث، والحقيقة هي أن العالم المعاصر ممثلا بالمؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية والإعلام العالمي والصحافة العالمية هي معارضة لكل تلك التيارات المتعصبة والانعزالية النزعة، لكن ليس لأن هناك مؤامرة لقوى خفية مظلمة شريرة تكيد لقوى الخير الحصرية ممثلة في التيار العقائدي اليميني المتعصب، إنما لأن العالم لم يعد مجرد قرية صغيرة كما درج القول منذ تسعينات القرن الماضي فالعالم حاليا بات آلة اقتصادية موحدة كبرى متعددة الأجزاء وكل جزء منها في بلد، وان ظهرت أي تيارات تهدد سلامة وكفاءة عمل ذلك الجزء من الآلة العالمية بأي حجة عقائدية أو قومية أو سياسية أو اقتصادية فهي تلقائياً تهدد عمل كامل الآلة العالمية، وبالتالي تهدد استقرار وازدهار اقتصاديات العالم وبالتالي الاستقرار السياسي والاجتماعي العالمي، ولذا عندما قام الرئيس الأمريكي السابق ترامب بالانسحاب من الهيئات الدولية بما فيها منظمة الصحة العالمية وخرق المعاهدات الدولية وفرض سياسات اقتصادية عدائية من جانب واحد ضد بلدان العالم مثل رفع الرسوم الجمركية والتي أضرت بالاقتصاد الأمريكي حتى اكثر من البلدان التي فرضها عليها وتحديدا الصين لأن غالب الشركات الأمريكية الكبرى باتت معتمدة بالكامل على وارداتها من الصين، ونقلت مصانعها الى الصين والمستهلك الأمريكي يعتمد على السلع الصينية الرخيصة ولذا تضررت الشركات الأمريكية والمستهلك الأمريكي اكثر من تضرر الصين لأن الصين غير معتمدة على أمريكا انما العكس، لكن الصين وبقية دول العالم انتابهم القلق من رمي أحدهم عصا في ماكينة آلة الاقتصاد العالمي، وما عادت هناك دولة مهما كانت كبرى وصناعية يمكنها الاستغناء عن أي جزء من العالم لأن منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي تبني استراتيجية تحويل العالم لآلة اقتصادية كبرى موحدة بفرضه تحت ضغط واغراءات قروضه سياسات تكاملية عالمية احياناً كثيرة لا تكون بمصلحة بعض الشعوب النامية لكنها تصب في المصلحة التكاملية لآلة الاقتصاد العالمية الكبرى الموحدة مثل منعهم من زراعة محصول استراتيجي يمثل طعام اهل البلد الرئيسي كالأرز واقمح وجعلهم يستوردونه، بينما يفرض عليهم زراعة محاصيل رفاهية لا يستهلكها المستهلك المحلي إنما تحتاجها المصانع والشركات الأجنبية كزيت النخيل والصويا، ولذا من لا يريد عداوة العالم وهيئاته فيجب ان تكون سياساته متوافقة مع الالة الاقتصادية العالمية الموحدة الكبرى.