عبدالوهاب الفايز
من البرامج المفرحة المهمة التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله-، الأسبوع الماضي ضمن برامج تحقيق ( رؤية المملكة 2030 )، (برنامج تنمية القدرات البشرية). هذا البرنامج سوف يكون (إستراتيجية وطنية) تستهدف تعزيز تنافسية القدرات البشرية الوطنية محليًا وعالميًا، وأهم ما يتطلع إلى تحقيقه هو أن (يكون المواطن مستعداً لسوق العمل الحالي والمستقبلي بقدرات وطموح ينافس العالم، وذلك من خلال تعزيز القيم، وتطوير المهارات الأساسية ومهارات المستقبل، وتنمية المعرفة).
الأمير محمد بن سلمان يرى أن هذا البرنامج سوف يجدد الثقة بقدرات كل مواطن، وبصفته الرئيس لهذا البرنامج، يتطلع سموه لأن يلبي (احتياجات وطموح جميع شرائح المجتمع، من خلال تطوير رحلة تنمية القدرات البشرية بداية من مرحلة الطفولة، مروراً بالجامعات والكليات والمعاهد التقنية والمهنية، وصولاً إلى سوق العمل، بهدف إعداد مواطن طموح يمتلك المهارات والمعرفة، ويواكب المتغيرات المتجددة لسوق العمل، مما يساهم في بناء اقتصاد متين قائم على المهارات والمعرفة وأساسه رأس المال البشري).
الذي يُدقق في مستهدفات هذا البرنامج الطموح يدرك أن أمامه تحدين رئيسيين. التحدي الأول تنفيذي، فالحكومة ستكون أمام اختبار حقيقي للوفاء بالتزاماتها لإنجاح البرامج، وسمو ولي العهد مدرك لحجم هذا التحدي، لذا ترأس الفريق المكلف بالإشراف والمتابعة. وهناك تحدي للأسرة السعودية، فالأسرة شريك النجاح الأساسي لهذا البرنامج، فهي التي توجد الظروف المناسبة والمساعدة لتهيئة الأبناء لرحلة التعلم، بالذات في السنوات الأولى الصعبة. في هذه المرحلة تتشكل الاتجاهات الإيجابية أو السلبية من التعليم والتدريب، والدول التي نجحت في التنمية الصناعية هي التي اهتمت بتنمية المهارات في سنوات الطفولة المبكرة.
إيجاد منشآت التعليم المبكر ليس أمراً سهلاً ويشكل تحديًا حقيقيًا للحكومة، وقد يكون عائقًا كبيرًا أمام البرنامج. منذ خمسة عشر عامًا رأينا إقبالاً حكوميًا كبيرًا لبناء قطاع رياض الأطفال، وتم الإعلان عن بناء آلاف المنشآت لرياض الأطفال. لكن هذا لم يتحقق! الآن حجم الاحتياج الوطني لرياض الأطفال أكبر نتيجة التوسع في عمل المرأة، وأيضاً بسبب التحديات في قطاع الاستقدام، فالتكلفة في تصاعد مما يصعب وجود مربيات محترفات. الأسرة السعودية تواجه الآن تحديًا اجتماعيًا واقتصاديًا. لذا، الحاجة لرياض الأطفال لها قيمة إيجابية تضاف لمستهدفات برنامج تنمية القدرات الوطنية.
في الآليات التنفيذية للبرنامج وردت إشارة مهمة إلى (تفعيل أكبر للشراكة مع القطاعين الخاص وغير الربحي، حيث يسعى البرنامج في هذه الجوانب إلى تحقيق مستهدفات عدة، من بينها زيادة فرص الالتحاق برياض الأطفال من 23 % إلى 90 %). هذا الرقم المستهدف لرياض الأطفال كبير وطموح، وتفعيل الشراكة بالذات مع القطاع غير الربحي يساعد للوصول إلى هذه النسبة، ويخدم مستهدفات الرؤية لزيادة مساهمة القطاع الثالث في الناتج المحلي لتصل 5 % في 2030 .
كيف نحقق ذلك؟ مثلاً، يمكن استثمار مبادرات القطاع الخيري للاستفادة من المساجد في الأحياء السكنية بالذات (الجوامع). في هذه المنشآت هناك مساحات معطلة أغلب العام مثل المصليات النسائية. هذه الفراغات مثالية لإعادة تصميمها لتقدم فرصة للتوسع في رياض الأطفال. فهذه غالبًا الحاجة لها في غير أوقات الصلاة، أي لن تزعج المصلين. وهناك (تجارب سعوديه ناجحة) لاستثمار المسجد لهذا النشاط نتمنى تطويرها والبناء عليها.
لدينا أكثر من 130 ألف مسجد، وأغلبها يحتاج نفقات مالية مستدامة للتشغيل والصيانة، وتأجير المقرات على وزارة التربية أو على شركات متخصصة يحقق عدة منافع. أولاً سوف يوجد موردًا ماليًا للمساجد. وأيضاً هذا يعظم الاستفادة من المساجد لتكون مؤسسات تخدم سكان الحي، وفي هذا توسيع للأثر الخيري للمحسنين الذين تبرعوا لبناء المساجد. بالنسبة لمصليات النساء يمكن استثمار السطوح لإيجاد مصليات بديلة بالذات في رمضان. فالسطوح فراغات مهملة. ومع تطور تقنيات البناء لن يصعب تحويل هذه السطوح لمصليات.
استثمار المساجد لهذا البرنامج يخدم أيضًا مستهدفات وزارة الشؤون الإسلامية عبر توسيع دور المسجد، وأيضاً يساعد في إيجاد موارد مالية للتشغيل والصيانة، كما ذكرنا. ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. يخدمها لتحقيق هدفين إستراتيجيين. الوزارة تستهدف إطلاق 17500 شركة استثمار اجتماعي في 2030 . لدينا أكثر من 150 ألف مسجد. رياض الأطفال نواة لإنشاء شركات (استثمار اجتماعي) غير ربحية تتملك المساجد. وهنا فرصة وطنية للبرنامج وللوزارتين لإطلاق 5000 شركة في قطاع المساجد، وأيضاً فرصة لتوليد آلاف الوظائف للمواطنين.
هذه فرصة بين يدينا جاهزة لإطلاق أولى مبادرات برنامج القدرات البشرية، تبدأ من استثمار مباني المساجد، ولا تحتاج أموالاً ضخمة. تحتاج الإرادة والعزيمة على الإنجاز، والأهم.. تحييد التصورات المتحفظة، وتحييد تأثير نمط الإدارة البيروقراطي السلبي!