في ذاكرة أي إنسان تاريخ لا يمكن أن ينساه، مهما زاحمه من أرقام ومناسبات.
المواطن السعودي، الكبير والصغير يحفظ هذا التاريخ: 1351 هـ أكثر من حفظه تاريخ ميلاده! وما ذلك إلا لكون هذا التاريخ أهم في كل تفاصيله من تاريخ ميلاد الشخص نفسه! فهذا التاريخ ميلاد أمة.. ميلاد وطن.. ميلاد عز لكل سعودي بل ولكل عربي ومسلم، فلا تجد أحدًا ممن يولون وجوههم شطر المسجد الحرام، إلا ويعترف لموحد هذا الكيان الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- بالفضل بعد الله، في تأمين سبل الحاج والمعتمر والزائر.
يحدثنا الأجداد، ونقل لنا المؤرخون كذلك، حالة الجزيرة العربية، وحالة الأراضي المقدسة خصوصًا، قبل مجيء الملك عبدالعزيز وبسط نفوذه على الحجاز، كيف كانت معاناة حجاج بيت الله الحرام، وكيف كانت الخدمات المقدمة لهم! وكيف كانت معاناتهم وخوفهم من قطاع الطريق، حيث كان السلب والنهب، بل والقتل في أحيان كثيرة.
كتب الأمير شكيب أرسلان في كتابه (الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف) وذلك عام 1348 هـ يقول: (الأمن الشامل في بلاد الملك العادل الإمام عبد العزيز آل سعود: كنت صاعداً مرة من مكة إلى الطائف وكانت معي عباءة إحسائية سوداء جعلتها وراء ظهري في السيارة، فيظهر أنها سقطت من السيارة ولم ننتبه لها، فأخذ الناس يمرون فيرون هذه العباءة ملقاة على قارعة الطريق فلا يتجرأ أحد أن يلمسها، بل شرعت القوافل تتنكب عن الطريق عمداً حتى لا تمر على العباءة خشية أنه إذا أصاب هذه حادث يكون من مر من هناك مسؤولاً، فكانت هذه العباءة على الطريق أشبه بأفعى يفر الناس منها، بل لو كانت ثمة أفعى ما تجنبوها هذا التجنب كله، وأخيراً وصل خبرها إلى أمير الطائف، فأرسل سيارة من الطائف أتت بها، وأخذ بالتحقق عن صاحبها فقيل له: إننا نحن مررنا من هناك وأن الأرجح كونها سقطت من سيارتنا، فجاء الأمير ثاني يوم يزورنا وسألنا: هل فقد لكم شيء من حوائجكم في أثناء مجيئكم من مكة؟ فأهبت برفاقي ليتفقدوا الحوائج فافتقدوها فإذا بالعباءة السوداء مفقودة، وكنا لم ننتبه لفقدانها، فقلنا له: عباءة سوداء إحسائية قال: هي عندنا، وقص علينا خبرها).
قصة من مئات القصص، التي دونتها كتب المؤرخين، عن حالة الأمن الذي تحقق منذ الوهلة الأولى من بسط الملك عبدالعزيز نفوذه على الأراضي المقدسة، ولو أردنا الحديث عن هذا الجانب، وأعني جانب أمن الحجيج، وخدمة ضيوف الرحمن فقط، لطالبنا المقام، ولكنني أكتفي بما ذكرته أعلاه.
واليوم ونحن في عهد سلمان الحزم والعزم، سلمان بن عبدالعزيز، و ولي عهده الأمين.. محمد بن سلمان، مهندس الرؤية، وصاحب الهمة التي تعانق السماء، الذي حول الأحلام إلى واقعٍ ملموس، فقفز ببلادنا قفزات جعلتها تتصدر رقمياً بالمركز الثاني ضمن دول مجموعة العشرين في تقرير التنافسية الرقمية التابع للمركز الأوربي ومنتدى الاقتصاد العالمي.
كما تقدمت المملكة في التقرير عشرين نقطة في المؤشر العام وحققت المركز الأول في مؤشر النظام البيئي الرقمي والثالث في مؤشر القدرات الرقمية.
سباق تقني هائل، جعل من بلادنا أنموذجًا يُحتذى في العالم الرقمي، كل هذا بأيدٍ سعودية يقودها أمير الإنجاز صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.
إننا ونحن نعيش هذه الأيام هذه الذكرى المجيدة، نشكر الله على ما أنعم به علينا من ولاة ساروا على ما رسمه لهم مؤسس هذا الكيان، فكان التطور المتلاحق في كافة شؤون الحياة، وها هو سمو ولي العهد -حفظه الله- يؤكد أن طموحنا عنان السماء، في إشارة واضحة إلى أن مسيرتنا التنموية لا تعرف الركود، وأن عزيمتنا لن تهون.
نعيش هذه الذكرى، ونعيش مبادرات سمو ولي العهد التي تجاوزت المحلية إلى الإقليمية، بل إلى العالمية، وأقرب مثال مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، هذه المبادرة التي لاقت ترحيباً عالمياً لا مثيل له.
إن مبادرات سمو ولي العهد ليست تقليدية، بل إنها نوعية لم يسبقه إليها أحد، وهي كذلك تعني الإنسانية جمعاء، وليس المجتمع السعودي فحسب.
وبعد.. نرفع تهانينا الحارة لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بهذه المناسبة السعيدة، ونسأل الله أن يديم على بلادنا أمنها واستقرارها في ظل قيادتها الرشيدة.
** **
- فيصل بن سعد القرنين