استطلاع صحفي- الجزيرة الثقافية – جابر محمد مدخلي - جازان:
كحبٍ في زمن الكوليرا ستشهد الرياض معرضًا دوليًا للكتاب تواجه فيه الثقافة أكبر وباء عابر للقارات، وسيتنفس المشهد الثقافي السعودي مجددًا رائحة الأوراق المطبوعة بعد أن يأست جميع روائح العطور، والبخور منحه الاستغناء عن روائح الكتب باعتباره أهم معارض الكتب العربية. ولكي نلمس عن قرب مشاعر المثقفين والمثقفات والمهتمين بالكتاب وقيمته، ورغبة عودة مؤثراته وتأثيره في مشهدنا الثقافي السعودي طرحت الثقافية استطلاعها التالي:
برأيكم هل سيستطيع معرض الرياض الدولي للكتاب مواجهة جائحة كوفيد - 19 ويمارس دوره الثقافي، وهل من رؤى وأفكار تساند بها هذا الكرنفال الثقافي العملاق المُنتظر؟
وحول هذا الاستطلاع رأت الأكاديمية والناقدة الدكتورة أسماء الأحمدي للثقافية بقولها: «إن تُحدث حراكًا ثقافيًّا عليك أن تختلق الفرص، وتقلِّب الأعذار، وتُواجه الصعاب، وتعيد رسم خارطة المعرفة؛ إذ الوعي والفكر والثقافة لا قيود ولا أسوار لها، من هنا بات حريًا العمل وفق آلية تنعش الثقافة وتؤكد استمرارية البناء الفكري بما يتوافق مع المثقف الأصيل، والقارئ المبتدئ، وما تتطلبه الأجيال من اهتمام ورعاية وتوجيهٍ معرفيٍّ لغرس بذور الشَّخصيَّة العربيَّة الإسلاميَّة المنفتحة على العالم.. نحو السَّلام والتَّصالح مع الالتزام بهُويَّتها. من هنا يكون السُّؤال: هل لمعرض الرِّياض الدّولي للكتاب استكمال دوره الرِّيادي في التَثقيف والوعي الكتابي والقرائي؟! نعم، بالتأكيد حين يتم التَّعامل مع الكتاب والمعرفة بجلاء حضورها، وسمو وجودها في التَّشكيل المعرفيّ، ومدى حاجة الأجيال لها.. في ظلِّ تلقيها الكثير من المعلومات والتَّجارب والنَّوافذ المعرفية وغير المعرفية -إن صح لنا تسميتها بذلك- من هنا يكون الإعداد وفق الممنوح والمتاح من قنوات تبث الوعي وتوصل الكتاب إلى القارئ -عن قرب أو بعد- وتُطلعه على الدُّور التَّنويري الذي تحدثه المعرفة، والدُّور التَّنموي لمعرض الكتاب عبر السَّنوات الماضية -في صفحات-؛ لتسليط الضّوء على المخرجات والنَّتائج والإحصائيَّات التي قدمها المعرض بما يحمل من هُوية عمادها الدّين والوطن والذَّاكرة العربية والآخر....!!، يمكن أن يتمثّل الأثر -أيضًا- عبر إنشاء منصّة مستمرة لتوفير الكتاب للباحث والقارئ -بسعر رمزي-، ومن هنا يفعّل دور المعرض ويحقق حضوره الأبدي ولا يرتبط بحدث استثنائي -مرة كل عام لأيام معدودة؛ إذ ليس الأمر متعلّقًا بصحوةٍ سنويةٍ بل بجعلِ الكتاب ثقافةَ حياةٍ، وذوق يومي يؤتي ثماره في صقل الذَّائقة المجتمعية، وتوجيهها نحو الكتاب عبر إتاحته ضمن معارض -أيضًا- مصغرة في المدن والقرى بالإضافة إلى ما يصاحبها من فعاليات (مباشرة أو عن بعد).
وحول ذات الاستطلاع أجاب القاص الأستاذ خالد سعيد الداموك قائلا: «دعونا نجيب أولاً بإنسانية؛ فالحياة برمّتها بحاجة إلى أن تعود إلى طبيعتها. بنو البشر بحاجةٍ للتعايش والاحتكاك ببعضهم والعودة إلى حياتهم الفطرية وإعادة تفعيل الخاصية الإنسانية الاجتماعية. أما بالنسبة للشأن الثقافي وعرس الكتاب الدوري.. فهو الآخر يمثل مظهراً مهماً للوجود الإنساني قبل أن يمثل الثقافة والعلوم.. فقد ظل الإنسان على مر العصور رمزاً للعزيمة الصلبة، حفر منازله في الصخر وذلل الوعر وركب البحر واستأنس الكائنات وأنشأ الحضارات ليجعل من كوكبه بيئة تناسب إمكاناته الفطرية ومتطلباته المعيشية ووسائل رفاهيته، وكما واجهته الصعوبات والأخطار بأشكالٍ متنوعة وهددت وجوده الإنساني باختلاف الحقب الغاربة، جاءت الجائحة «الكورونية» كعثرة في المسيرة الإنسانية، أبطأتْ ولم توقفْ، وعرقلتْ ولم تُسقطْ، ركب التحضر وجعلت الإنسان يراجع أدواته وأسلحته وطريقة عيشه ودفعته لإذكاء معاركه من أجل البقاء.
إقامة معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام يرمز للإنسان وصراعه الأزلي مع الوجود؛ فالمعرض في ظروف الجائحة لم يعد مكاناً لتسويق الكتب أو وسيلة للتعارف بين المثقفين أو مسرحاً للندوات والتبادل المعرفي والتلاقح الفكري كما اعتدنا من معارض الكتب، معرض الرياض هذا العام هو أيقونة دالة على عزيمة هذا الكائن الجبار على العيش والبقاء وأنه سيد كوكب الأرض. وإذا كان المطلوب من معارض الكتب كل عام أن تقوم بدور ثقافي، فالفائدة الكبرى لمعرض هذا العام تُجنى من أوله، فهو يمثل الضوء في آخر النفق للإنسانية برمتها، إنه أول أشعة الوصول إلى بر الأمان والتخلص من هذه الجائحة المقيتة التي ربضت على صدور البشرية».
واختتم تصريحه بقوله: «شكراً سمو وزير الثقافة وللقائمين هذه التظاهرة الإنسانية قبل الثقافية».
وأما الروائية منيرة سعد فقد افتتحت مشاركتها باستطلا ع الثقافية قائلة: «نحن معشر الكُتّاب نتضور جوعًا وعطشًا وشوقًا لرائحة الكتب على الأرفف، وإلى ملتقى معرض الرياض الدولي للكتاب. ثمة شهر في كل سنة اعتدنا خلاله أن يجمعنا بين أروقة المدينة مجموعة شاملة من الكتب المتنوعة، من ثقافات متعددة، وكتّاب من جميع الجنسيات، ومثقفين من جميع البلدان يتبادلون أسرار الثقافة ومستجدات التطور الثقافي في مشهدهم. ولكن منذ ظهور جائحة كوفيد - 19 توقفت وانشلّت جميع الطرق المؤدية إلى إقامة المعارض؛ خوفاً من انتشار الوباء الذي شمل جميع دول العالم دون استثناء، وتوقفت جميع المعارض!
وأما هيئة الأدب والنشر والترجمة بوزارة الثقافة السعودية فقد حددت موعدًا لإقامة معرض الرياض الدولي للكتاب ثم أجلته لأسباب احترازية للحد من انتشار فيروس كورونا؛ حيث تشير الهيئة من خلال قرار تأجيل المعرض بموعد آخر من? إلى 1 أكتوبر 10 إلى:
- الاستجابة للتحذيرات الرسمية.
- تطبيق كافة الاحترازات الوقائية المقررة من الجهات الصحية المعنية.
- توفير الظروف الملائمة لزيارة آمنة وصحية لجميع المستفيدين من المعرض.
وقد أسعد هذا الخبر جميع الكتاب والمثقفين ودور النشر لعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي، وإنه ليتوجب علينا جميعًا أن نكون يداً واحدة في مواجهة هذا الوباء بكل قوة وبسالة، ولا نجعل هذا المرض العنيد يطفئ شمعة الثقافة؛ كما اعتدنا دائماً أن الثقافة تواجه جميع الأزمات في جميع الحضارات على مر العصور القديمة؛ فهي القوة الداعمة للمجتمع؛ ولن يخيفها أن تثبت أمام فيروس عنيد، ولن تسمح له أن يتلف فرحة تجمع ثقافي في مكان واحد.
نحن نثق بجهود مسؤولي معرض الرياض الدولي للكتاب بهذا العام الاستثنائي، ونثق في تنظيم وتنسيق إجراءات وسلامة قوانين التباعد. واختتمت الأستاذة منيرة سعد حديثها قائلةً: «سوف يشهد المعرض هذه السنة نجاحًا مختلفًا عن سائر المعارض السابقة، وسيكون أفضل معرض مقام على مستوى الدول العربية والعالمية في ظل أجواء الوباء...»
فيما افتتحت الكاتبة هدى فقيهي مشاركتها بشكرها للثقافية على هذا الاستطلاع قائلة:
شكرًا للثقافية على استضافتي بهذا الاستطلاع، ثم شكرًا لها لطرقها هذا الموضوع المهم في هذا التوقيت الأهم» ومن ثم تابعت حديثها قائلة: «أولًا: ليس على هذا الوباء ان يطفئ هذا النبع وإنما علينا التعايش مع حياتنا واعتباره دخيلاً علينا وضيفاً ثقيلاً عمّا قريبٍ أو بعيد سيرحل، وسيغدو كغيره من الوباءات الماضية والأزلية» وتابعت فقيهي حديثها للثقافية لتقول: «اقتحم وباء كورونا صدورنا وجثم عليها ولكن ليس علينا السماح له بقتل خلايا أدمغتنا؛ لأن هناك الكثير الكثير في أدمغتنا يجب أن يشار إليه بالبنان، ولذلك علينا ان نستمر قدماً، وأن يستمر الأدب وتستمر الثقافة، وحتى يحدث ما نتمناه علينا أن نرى الفعل الثقافي الحقيقي الذي من المؤكد أنّ وزارة الثقافة متمثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة تبذل الجهود وتحفل بالكثير من القرارات التنظيمية والحصانات التجمعية لهذا الكرنفال الكتابيّ العظيم الذي يجمع جهات الوطن تحت أحد سقوف الرياض الشاهقة، والمهمة. وأتوقع بدوري ومن خلال يقيني بتحركات هائلةً لإيجاد حصانة للمثقفين بممارسة دورهم وعلاقتهم الحميمية مع الكتاب أن ينجح هذا المعرض ويخرج بمخرجات بطولية أمام معركته مع هذا الوباء الجاد والمُصر والمُلح على استئصال كل من وقف في طريقه...»
وفي جانب آخر قالت الكاتبة رهام مدخلي في مشاركتها: «يعد المثقف جزءاً لا يتجزأ من مجتمعه حيث إن كل تغيير يطرأ على المجتمع لا بد وأن يشمله كفرد من أفراده ومكوناً أساسياً من مكوناته؛ وبفضل الله كل الآليات والأنظمة التي فرضتها الدولة على الشعب تُعنى في المقام الأول بالإنسان ثم بالحفاظ على كينونته ووجوده في المقام الثاني إذ إن انعزال الفرد وتوقفه عن الحياة يعني تعطيل المجتمع كافة، لكننا بفضل الحكومة الإلكترونية الذكية استطعنا تجاوز الكثير من الإشكاليات والخسائر الفادحة التي سببتها الجائحة على مستوى دول متقدمة ومتحضرة في أنحاء عالمنا الفسيح، وتفعيل دور التقنية لإدارة الأزمة أدى بالمثقف السعودي أن يصبح فاعلاً في عزلته من خلال المشاركة في المبادرات والبرامج عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل الكثير من المبادرات التي طرحتها وزارة الثقافة في فترة حظر التجول كمبادرة أدب العزلة التي تسابق إليها المثقفون وغيرها من البرامج التي طرحتها الأندية الأدبية والصالونات الثقافية عن بعد؛ أو المبادرات الفردية، والأهم من ذلك كله أن بلادنا ترأست أهم حدث عالمي وهو قمة العشرين التي أقرت من خلاله سياساتها الاقتصادية والاجتماعية من خلال التقنية وهذه رسالة صريحة وواضحة للمثقفين السعوديين أن الجائحة مجرد عارض لا يوقف الإنجاز والعطاء وإن تسببت في بعض الخسائر، حيث لا يخفى على الجميع حالة الخوف، والهلع التي تشكلت عند أفراد المجتمع في بداية انتشار وباء «كورونا» ولكن تدريجيًا مع فرض الحظر وتطبيق الإجراءات الاحترازية عادت الحياة بشكل طبيعي مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجهود الحثيثة التي بذلتها، وتبذلها الدولة وحرصها على سلامة المواطنين والمقيمين تؤكد أن الإنسان في قائمة أولوياتها وهذا بحد ذاته خلق بيئة من الانضباط والالتزام بالتوجيهات السامية والدليل أن السعودية تصدرت المركز الأول عالميًا في استجابة الحكومة ورواد الأعمال لجائحة كورونا؛ أما فيما يخص معرض الكتاب فالحمد لله المثقف السعودي اليوم على وعي وعلم كاف بجميع الالتزامات بل إنه عضو فاعل في إنجاح المحافل الثقافية ولن يدخر جهدًا في تعزيز الوعي من خلال نشر المعرفة التي يمتلكها لا سيما إن كان عبر محفل دولي كبير تزهو به العاصمة السعودية الرياض حيث تتوق النفس وتتلهف للاطلاع على تفاصيل البرامج التي ينظمها المعرض خاصة بعد الانقطاع الطويل وبعد اختيار وزير الثقافةمو الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، حفظه الله (العراق) كضيف شرف وذلك يعزز أهمية بلاد الرافدين وتاريخها الثقافي العريق ودورها الحيوي في نشر الثقافة والأدب».
واختتمت مدخلي مشاركتها قائلة: «أقولها وبكل ثقة وفخر، نعم يستطيع المثقف اليوم أن يمارس جميع طقوسه الثقافية وبشكل مميز أيضًا لأنه يمتلك الوعي بكل تبعات الإهمال في عدم تطبيق الإجراءات الاحترازية ولأن فئة كبيرة جدًا من المجتمع أصبحت محصنة تمامًا مما يقلل فرص الإصابة بالفيروس وحتمًا سيكون المثقفون على قمة هذه الفئة، أما فيما يخص المقترحات آمل أن تكون هناك مبادرات تقنية تفاعلية من المحفل مباشرة تتيح لمن تعيقهم المسافة في الحضور للمشاركة عن طريق المداخلات وطرح الأسئلة وعرض موادهم الإعلامية للجمهور الموجود على أرض الواقع».
واختتمت الأستاذة جواهر عبدالله استطلاعنا بحديثها المتفائل قائلة: «بعد غياب طويل للمناخات الإبداعية، وبعد تخييم الصمت على القطاع الثقافي تأثراً بالاحترازات الصحية فإن عودة معرض الرياض الدولي للكتاب في رأيي عليه أن تبرهن مدى وعي هذه الفئة واعني الفئة المثقفة -في نظر غالبية المجتمع - وامتثالهم للبروتوكولات الوقائية. بداية باستكمال جرعات اللقاح لمواجهة الوباء الذي احتلّ أروقة الكتب والمعارض والمكتبات وخيّم عليها بسببه الصمت، والسكون. وحولها بيوتًا للعنكبوت وانتهاءً بالتماسك الثقافي والتعاضد المعرفي لاستقبال ضيوفهم من مثقفين ومثقفات من أقطار العالم في موسم ثقافي يلي موسم الحج الذي ما زال أثر رحلته أخضر. إن دور المثقف الحامل لراية المعرفة والعلم النهوض بالرؤى والأفكار وأن يبرهن أنه ذا قيمة مضافة ومثالاً يُحتذى به، فإذا فقد المثقف حرصه وأخلّ بسُبل الحيطة فماذا ترك لغيره من العامة؟ وإنه لمن المهم إحاطة الجميع بأهمية هذا الحدث الشجاع في ظل هذه الظروف الصحية المُهلكة والمتحورّة بين يوم وآخر؛ لأنه مرآة تعكس صورة نضج ونجابة المواطن السعودي بوجه خاص والعربي بوجه عام. وعلينا جميعًا ألا ننسى بأن القطاع الثقافي هو أكبر وأهم القطاعات تأثرًا بوباء كورونا وعودته بالغد القريب من باب واسع كمعرض الكتاب هو فرصة كبيرة تمهد الطرق لعودة الأنشطة الثقافية والحياة الورقية الطبيعية؛ فالكتاب قادر على مصارعة الأوبئة. ولأننا كمواطنين محبين لهذا الحدث جديرون لنيل شرف المشاركة فيه بفطنة وعقلية تحمينا وتحمي الآخرين».
وفي ختام مشاركتها قالت: «ولا أقول إلا أن الوعي مهمة الجميع، «فكورونا كالموت لا يستثني أحداً».
وقد سعُدت الثقافية بما تلقته من آراء وتفاؤلات حول هذا الجانب المهم في مسيرة مشهدنا الثقافي وهو قبّة معرض الرياض الدولي للكتاب، وتؤمن الثقافية بأنّ الثقافة قادرة على هزيمة كل الوباءات وستنتصر –لا شك- بوعي المثقفين، وحصن وزارتهم المنيع والحصين وبإمكانات هيئتهم هيئة الأدب والنشر والترجمة التي لم تؤكد مؤخرًا تحديد موعدها لمعرض كتاب الرياض ما لم تكن قد هيأت العّدة والعتاد لإعادة الكتاب إلى سيرته الأولى، وتقديمه من جديد لأيادي محبيّه...