د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** استدعانا مدير المركز وقال لكلينا؛ (الصديق عبدالعزيز العلي القاضي وصاحبِكم): إن إذاعة جدة تود أن تجري معكما لقاءً للبرنامج الإذاعيّ (في الطريق)، ولا يستدعي الآن: أكنا على معرفة بالبرنامج أم لا، وفي تلك المرحلة المبكرة من العمر، ونحن طلبة مرحلة متوسطة أو ثانوية، لا تستغرقُنا التفاصيل، ولعل اختيارنا جاء لنشاطنا في إذاعة المركز الصيفي، ووعينا عندها أنه برنامجُ مقابلاتٍ تلقائيةٍ يحاورُ الناس في الشارع والسوق والأماكن العامة.
** لم نتهيّبْ؛ فالأمرُ وقتها خارج تفكير اللحظة، والأهم هو الاستجابة لتوجيه أستاذنا المدير، ويذكر أنه رأى المذيع فارعَ الطول وضيءَ القسمات باسمَ المحيّا فصافحناه وعرّفَنا بنفسه: ( أنا حسين نجار من إذاعة جدة ) أو كذا أذنَ له استدعاءُ المشهد، ولا ينسى مكان اللقاء في «غرفةٍ» قرب الدرج الموصل للدور الأعلى عند النافذة ليبدوَ التسجيلُ في «شارع الضليعة» الموصل لقلب المدينة، وكأننا «في الطريق».
** يحسب أن البرنامج في أساسه للدكتور بدر كريّم رحمه الله، ولم نهتمّ كثيرًا إن أُجيز وأُذيع أم لا، غير أن الأستاذ حسين « الدكتور حاليًا» شاء من إدارة المركز تسجيل برنامج آخر بحضورٍ جماهيري لبرنامجه العتيد: «حوار حول المايكروفون»، ولا شك أنه أراد شخوصًا آخرين أكبر عمرًا وأوفر علمًا؛ فالموضوع الذي سيناقشه عن « الصنعة والتجديد في الشعر»، ورشَّحَنا مدير المركز مرةً أخرى، ولم يستطيعا الاعتذارَ بالرغم من أن صاحبكم لم يفقهْ من الموضوع شيئا.
** لجأ الفتى لأبيه رحمه الله مستفهمًا عما يمكن أن يقوله في شأنٍ لا يفهمه؛ فأفاض شرحًا لم يستوعبْ منه إلا بيتي المتوكل الليثي – إن صحت نسبتُهما- :
لسنا وإن أحسابُنا كرمتْ
يومًا على الأحسابِ نتكلُ
نبني كما كانت أوائلُنا
تبني ونفعل مثل ما فعلوا
وقال له: إن التجديد لا يتوقف، والجذور لا تتبدل، والبناء أدوارٌ، والصنعة المبالِغة تفسد الإبداع، والتجديد قدرُ الحياة.
** عُقدت الندوة، وما يزال واثقًا أنه أخفق فيها بامتياز، وربما أفسد تألقَ الحبيب الأصيل «أبي علي»، ولا يشك أن أستاذنا الدكتور حسين قد مسح الشريط فور انتهاء الندوة.
** ذاكرة أولى مع الإذاعة السعودية، تبعتها ذاكرة أجمل مع معظم إذاعيي جدة في مدينة جدة نفسها، وكذا في المشاعر المقدسة أيام زيارات خاصة خلال دراسته الجامعية، ولكنه – حتى اللحظة - لم يغشَ أستوديوهات الإذاعة ولا يعرف حتى اليوم مقرها، وخلال تلك الزيارات رأى الكبار: بدر كريِّم، محمد الشعلان، أحمد حريري، بكر باخيضر، محمد صبيحي، حسين العسكري، يحيى كتوعة، سليمان عبيد، مطلق الذيابي، ياسر الروقي، وسواهم، ويبقى معتزًا بصداقته الممتدة حتى اليوم مع جيل الكبار التالي: خالد البيتي، عدنان صعيدي، عبدالعزيز قزان، خالد جاد، عبدالله بخيت، الذين يأنس برؤيتهم كلما زار جميلة البحر.
** تعلمنا من إذاعيّي ذلك الزمن أنهم لم يكونوا مجرد مؤدِّين، بل كانوا أساتذةً في اللغة والإعلام والسياسة والوعي المجتمعي، وما اختالوا فقد قادهم الهوى، وما أشغلهم ظلمُ الوظيفة وما اشتكوا متاعبَها.
** الطريقُ خطوةٌ لا حَظوة.