أ.د.عثمان بن صالح العامر
أهم منبر خطابي في الكرة الأرضية على الإطلاق، منبر (الحرم المكي) ومن بعده (المدني) وما بعدهما تبع، يتحدث فيه الخطيب لملايين البشر في كل أسبوع، وحين يقول يكون لكلامه وقع، ولعباراته أثر، ولتوجيهه تأثير. ولذلك اعتقد أن من يعتلي هذا المنبر، هو من أسعد الناس وأكثرهم شرفاً، وفي ذات الوقت هو من أشدهم مسؤولية وأعظمهم أمانة خاصة في هذا الزمن بالذات الذي تنقل فيه القنوات والهواتف الذكية كل كلمة يتفوّه بها أو تترجم عنها أو تفهم منه، فالأمة كلها تستمع لخطبتي الجمعة إما في وقتها أو حين تعاد، حتى الصم وذوو الهمم العالية تُنقل لهم بلغة الإشارة، ليس هذا فحسب، بل يتابع الكثير من المسلمين ما يرد على خطب الحرمين من تعليقات وما يدور حولها من تحليلات وأحاديث نهاية كل أسبوع.
خطبة معالي الشيخ الأستاذ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد الجمعة الماضية كانت وما زالت حتى هذه الساعة حديث الناس على الأقل في المجتمع السعودي.
ففي سياق تربوي إبداعي مميز فريد ختم معالي الشيخ -حفظه الله- حديثه الماتع عن التربية بالإشارة إلى أن على المربين من معلمين وآباء: أن يعلموا قبل غيرهم «أن التربية الصحيحة تحفظ الوطن قبل أن يحرسه الجيش المنظّم، والناشئة هم دروع الوطن، وحماة استقراره، ومن ثم فإن من الواجب عليهم أن يعلِّموا الأبناء ومن تقع عليهم مسؤولية رعايتهم وتربيتهم بأن:
- الوطنية: إخلاص، وعمل، وبناء، وتعاون، وحماية، وأمانة، واحترام.
- وطنك تحبه، وتدافع عنه، ولا تنتقص منه، ولا ترضى أن ينتقص منه، وتقف في وجه أعدائه المتربصين والحاقدين عليه.
- الوطنية: محافظة على الممتلكات، والمرافق، والمقدرات، وسلوك سبيل الرشد، والترشيد في الصرف والاستهلاك، والطاقة والثروات، وحماية النزاهة، ومكافحة الفساد أياً كان مصدره، وأياً كان مقترفه.
- علموهم أن المواطنة: توظيف الملكات، والقدرات، والخبرات، في خدمته، وتعزيزه، ورفعته على الأصعدة كافة.
- الوطنية: عين ساهرة، وهمة عالية، وسعي حثيث إلى مراقي النجاح.
- الوطنية أن يكون المواطن الصادق مرآة لوطنه، فما يصدر عنه هو انعكاس لوطنيته.
- الوطنية: أن يكون المواطن رمزاً لوطنه في الداخل وسفيراً له الخارج.
- الوطنية: أن تكون قدوة صالحة صادقة ناصحة، تحفظ لولاة الأمر حقهم من الطاعة، والمحبة، والنصح، والدعاء، وصدق الولاء.
- الوطنية: ولاء ينبذ العصبية بكل أشكالها من قبلية ومناطقية وطائفية.
فإذا كانت هذه هي بعض معاني الوطنية ومظاهرها فما بالكم إذا كان الوطن هو مهد الإسلام، وبلد المقدسات، الذي يرفع راية الإسلام، ويحكم الكتاب والسنة، إذا كان الوطن هو بلد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية.
- الوطنية في هذا البلد المبارك التزام بدين الله، عقيدة وشريعة، واتباع لنهج السلف الصالح، في ثوابته، وأخلاقه، وجميل عاداته، وأعرافه، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.
- وإذا كان ولي الأمر في هذه البلاد المباركة -حفظه الله-، أشرفُ لقب يحمله هو: (خادم الحرمين الشريفين)، فلا شك أن المواطنين تبع له في شرف الخدمة لهذا البلد المبارك، بلد المقدسات. نعم حفظكم الله: إن أعلى ما يجسده معنى المواطنة هو خدمة الوطن، بكل معاني الخدمة، ومتطلباتها، ومستلزماتها». حفظ الله بلادنا، وأدام عزنا، وحرس أرضنا، ووفَّق ولاة أمرنا، وجمع كلمتنا، ووحَّد صفنا خلف، قيادتنا العازمة الحازمة، وعلمائنا الربانيين الصالحين المصلحين، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.