د.شريف بن محمد الأتربي
يحمل مصطلح «هندسة» العديد من الذكريات- سعيدة كانت أو حزينة- لنا جميعا، فمن منا لا يذكر عدد النظريات التي كان يحفظها ويعيدها على مسامع الأستاذ، ويحل الواجب، ويشارك في النشاطات، وكانت المسطرة-خشبية كانت أو معدنية- هي رفيقة العمود الفقري في حال الخطأ، وبوركت: حليف طبلة الأذن إذا وفقت، ناهيك عن مساحات الأشكال من مثلث ومربع ومعين ومسدس وما خفي من أشكال كان أعظم. ولعل فيثاغورث نفسه لو عاد للحياة لتنصل من نظريته التي أشبعتنا ضرباً.
ويرتبط مصطلح الهندسة أيضا بكليتي القمة قديما وحديثا، حتى جاء الزمان الذي وحد بينهما، فأصبحنا نرى كليات الهندسة الطبية، فأصبح الطبيب مهندسا، والمهندس طبيبا، والله أعلم بما هو قادم.
والهندسة في معجم المعاني هي: العلمُ الرياضيُّ الذي يبحث في الخطوط والأَبعاد والسُّطوح والزوايا والكميّات أَو المقادير المَادِّيَّة من حيثُ خواصُّها وقياسُها أَو تقويمُها وعَلاقةُ بعضها ببعض، وللهندسة العلمية أَنواعٌ، لكلٍّ منها غرضٌ معيَّن، منها الهندسةُ الآلية (أَو الميكانيكية)؛ والهندسةُ الكهربيَّة، والهندسةُ الحربية، وهندسةُ المعادن، والهندسةُ الكيماويّة؛ والهندسةُ المدنيَّة كالهندسةِ المعماريةِ، وهندسةِ الطرق والجسور، وهندسةِ الطُّرق الحديدية، والهندسةِ الصحيَّة، والهندسةِ الزراعية وغير ذلك...
والهَنْدَسَةٌ هو علم يستخدم المبادئ العلمية وتطبيقها لتصميم وتنفيذ المنشآت والهياكل والآلات والاختراعات والأدوات والأنظمة والعمليات والعناصر الأخرى المطلوبة للوصول إلى هدف معين، وهو أيضًا الطريقة الأمثل لتسخير الموارد الطبيعية لخدمة الإنسان.
ومع التطور الذي طرأ على جميع مجالات الحياة وعلومها، اقتحم علم الهندسة حقل التعليم، فأعاد تخطيطه وتقسيمه وبناءه، فكان التصميم التعليمي هو المجال الجديد والحدث الأبرز للمتخصصين في التعليم.
والتعليم (Education) هو عملية اكتساب واكتشاف المهارات، والمبادئ والمعتقدات المتغيرة، وهو أحد الأنشطة التي تمكن الأفراد من الوصول إلى كل ما هو جديد، وهو النشاط الذي يمارس من خلال المُتعلمين بطريقة ذاتية معتمدين على مجموعة من الأدوات التعليمية المساعدة على التعلم.
أما التصميم؛ فإن كلمة «تصميم» مشتقة من الفعل (صمم) أي عزم. والتصميم اصطلاحاً هو: «هندسة الشيء بطريقة ما على وفق محكات معينة أو عمليه هندسية لموقف ما». ويستعمل مفهوم التصميم في العديد من المجالات كالتصميم الهندسي والتجاري والصناعي وكذلك التربوي وغيرها.
أما تصميم التعليم فيمكن تعريف بأنه:» عملية وضع خطة لاستخدام عناصر بيئة المتعلم والعلاقات فيها، بحيث تدفعه للاستجابة في مواقف معينة، وتحت ظروف معينة من اجل اكسابه خبرات محددة وإحداث تغيرات في سلوكه أو أدائه لتحقيق الأهداف المقصودة».
كما يمكن تعريفه بأنه:» الطريقة العملية النظامية المخططة لتناول بيئة المتعلم عن قصد وباختيار الوسائل والأساليب المناسبة لإحداث تغيرات في سلوكه من أجل تحقيق هدف أو مجموعة اهداف محددة وضمن شروط محددة».
كما يمكن تعريفه أيضاً، بأنه هندسة العملية التعليمية التي تتوخى التطوير المنهجي لإجراءات علمية ودافعية تهدف الى تحقيق الفعل التعليمي في قضاء مكاني وزماني محددين.
وهناك العديد من المهارات المرتبطة أيضاً بالتعليم منها: مهارة الأداء التدريسي، فمهارة التدريس هي فِعل المعلّم ومقدرته على إحداث التعلّم المطلوب. أي هي مهارة المعلم في التعليم نفسه.
ومهارات التدريس الفعال، وهي عبارة عن مجموعة من الأداءات أو السلوكيات المميزة التي يلجأ المعلمين إلى الاستعانة بها أثناء التدريس. وتسعى هذه المهارات في النهاية إلى إنجاز الأهداف المطلوبة بنجاح. وهي المهارات التي يملكها المعلم أثناء تقديم الدرس لتحقيق الهدف مثل تغيير الاستراتيجية المستخدمة باستراتيجية أخرى أقرب لتحقيق الهدف.
وعند مطالعة هذه المهارات نجد أن جميعها مرتبط بالأداء داخل الغرفة الصفية أو عبر الوسائل التكنولوجية، فيما عدا التصميم التعليمي، فهو يتم خارج الفصل بصورة يراها المعلم أنها الأفضل، بل والأصح لتحقيق الهدف أو الأهداف المرجوة من العملية التعليمية، ويكون المحك ومعيار النجاح هو تحول هذه الخطة من رسم على ورق إلى تنفيذ فعلي أثناء سير العملية التعليمية، وهي تشبه تماما البيع بالتصميم، والبيع على أرض الواقع للمباني والمشروعات العقارية، فليس كل ما صمم جميلا ومتميزا، يصل إلى العميل بنفس المستوى الذي صمم عليه.
فتصميم التعليم يحتاج إلى مهارتين من وجهة نظري، أولهما مهارة التصميم الخارجي، أي قبل بدء العملية التعليمية نفسها، وثانيهما مهارة التنفيذ أو التطبيق داخل الغرفة الصفية او عبر الوسائل التقنية.
فالتصميم خطوات منطقية وعلمية تتبع لتصميم التعلم وانتاجه وتنفيذه وتقويمه وهو بمعنى آخر رؤية مستقبلية لما يمكن أن يحدث في العملية التعليمية خلال تنفيذها سواء داخل الفصل أو خارجه وهي تعتمد على مهارة المعلم في التنفيذ ومرونته في التطبيق.