فضل بن سعد البوعينين
صنفت الأزمة المالية العالمية 2008 على أنها الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير عام 1929م. انطلقت شرارة الأزمة من القطاع المالي بعد إسرافه في الإقراض العقاري دون الحصول على ضمانات كافية، تحت ضغط التوسع في المحفظة الائتمانية وتحقيق مزيد من الأرباح في سوق عقارية كانت تنمو بشكل مطرد.
أزمة الرهونات العقارية؛ التي دمرت القطاع المالي وتسببت في إفلاس كثير من البنوك الأمريكية الكبرى، وفرضت على الحكومة الأمريكية التدخل لإنقاذ المصارف والشركات الكبرى من الإفلاس، وأحدثت خللا اقتصاديا وماليا عالميا غير مسبوق؛ توشك أن تحدث من جديد في الصين، ولأسباب مرتبطة بالقطاع العقاري الذي يبدو أنه بات مصدراً للانهيارات العالمية.
إمبراطورية العقارات الصينية «إيفرجراند» مصدر التهديد اليوم، بالتزامات مالية تفوق 300 مليار دولار، غير أن ما يحدث في الشركات العقارية الأخرى، والقطاع المالي المرتبط بها، والسوق الصينية عموما يُنبيء بحدوث أزمة مالية عالمية تفوق في تداعياتها أزمة 2008. وإذا ما أضفنا إلى ذلك الديون السيادية والتجارية العالمية، والحرب الاقتصادية المستعرة بين الصين والولايات المتحدة، وتداعيات كورونا، يصبح الوضع أكثر تشاؤما.
أزمة «إيفرجراند» لا تهدد الصين فحسب، بل الاقتصادات العالمية دون استثناء، خاصة وأنها تشكل جانباً ضئيلاً من الأزمة الحقيقية المرتبطة بفقاعة الديون التجارية المتضخمة، والديون السيادية العالمية، ما يستوجب التحوط الاستباقي لتداعياتها.
أزمات القطاع العقاري في أكبر الاقتصادات العالمية، وتسببها بأزمات مالية حادة يدق ناقوس الخطر، ويفرض على واضعي إستراتيجية الإسكان الوطنية، أخذ الدروس والعبر، وتفادي الأخطاء التي تسببت بها، ومنها التركيز على جانب التمويل الداعم للطلب، دون أن يقابله ضبط للسوق والأسعار، ومعالجة منهجية فاعلة لحجم العرض الاقتصادي المتوافق مع ملاءة المواطنين، وبما يضمن تحقيق التوازن الأمثل للسوق، وانضباطية الأسعار.
ما نراه اليوم هو زيادة مطردة في التمويل العقاري من القطاع المالي، والتزام من قبل الحكومة بجانبي الضمان وتحمل جزء من تكلفة التمويل، ما تسبب في تضخم أسعار العقارات، وتقييمها بأعلى من قيمتها العادلة، لارتباطها بالتمويل المضمون، دون إدراك للمخاطر المستقبلية التي قد تحدث في سوق العقار، أو الاقتصاد العالمي الذي يؤثر في الاقتصاد الوطني وقطاعاته الاقتصادية والمالية على وجه الخصوص.
أصبح تقييم المساكن مرتبطا بحجم التمويل المتاح، والمضمون من قبل الوزارة، لا القيمة العادلة للعقار، أو القدرة المالية للمواطنين. نعم نجحت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان في تحقيق هدف نسبة تملك المواطنين منازلهم، غير أنها لم توفق في السيطرة على أسعار المنازل، وتوازن السوق العقارية عموما، ما تسبب في تضخم الأسعار وانفلاتها، وحرمان شرائح مختلفة من المواطنين غير المستحقين لدعم الوزارة من تملك مساكنهم من خلال مصادرهم المالية الشخصية، وتحميل المستحقين للقروض العقارية ديوناً مرتفعة، وأقساطاً لا يمكن التعايش معها دون تداعيات مؤلمة.
قد يكون من المناسب إعادة النظر في إستراتيجية الإسكان بعد تحقيق أهدافها الرقمية المرتبطة بنسبة تملك المواطنين منازلهم. فالوزارة تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي في جميع مناطق المملكة، ويمكن أن تعتمد سياسة منح الأراضي للمواطنين على أن يقوموا ببنائها اعتمادا على مواردهم المالية، أو الحصول على قروض عقارية موجهة للبناء لا شراء المنازل الجاهزة. وبالتالي يمكن السيطرة على ارتفاع أسعار الأراضي حيث ستكون المنح الحكومية بديلاً عن الشراء، والتمويل موجهاً للبناء لا المباني الجاهزة. ولمعالجة توفير ميزانية تطوير الأراضي الحكومية يمكن الاعتماد على مشاركة المواطنين في تمويل كلفة التطوير وهي في حدود 100 ريال للمتر، يدفعها المواطن لتملك الأرض الحكومية المخصصة له.
خفض أسعار العقارات عموماً، والمساكن على وجه الخصوص، وبما يتوافق مع ملاءة المواطنين وقدراتهم الشرائية، يجب أن يكون من أولويات الوزارة، وهو الهدف الذي لم يتحقق حتى اليوم برغم أهميته القصوى.