احمد العلولا
كنت مرفوقاً بصديق عزيز طلبت منه أن يصاحبني في سفرة قصيرة لم تتجاوز الـ24 ساعة وقد وافق مشكوراً، وقصدت الدوادمي تلبية لدعوة صديق منذ فترة طويلة لم ألتقه، في طريق العودة للرياض صبيحة يوم الجمعة الماضية، قررنا تأدية صلاة الجمعة وقد دخل وقتها، لفت نظري مركز صغير يحمل اسم (المطاوي) توجهنا للمسجد الوحيد، صغير، نظيف، حان وقت صعود الإمام للمنبر، شاب في بحر الأربعين، توقعت سيلقي خطبة مكتوبة (معلبة) (مكرورة) أو من جهاز (الجوال) والحمد لله خالف توقعي، بدأ الخطيب واثقاً من نفسه، صوت يسلب العقل والفكر، يوزع نظراته المصحوبة في ابتسامة خفيفة على الحضور كي يشد انتباههم، وتلك من صفات الخطيب الناجح، استوقفني كثيراً الموضوع الذي تطرق له، المبني على فكرة، استطاع توظيفها بشكل قصصي أجزم أن كل الحضور كانت آذانهم صاغية وقلوبهم خاشعة، ما شاء الله، تبارك الله (عيني عليه باردة).
كان هدف الخطبة هي بمناسبة اليوم الوطني، حيث استعرض بشكل موجز مراحل نشأة الدولة السعودية، وأبرز العراقيل التي واجهتها، ولأن السعودية كانت مهبط الوحي ومهد الرسالة ممثلة بمكة المكرمة، كانت عملية نشر الدين السليم بعيداً عن الشركيات المنتشرة في تلك الفترة تمثل هاجساً بالنسبة للإمام محمد بن عبد الوهاب، والذي واجه في مطلع شبابه موقفاً سلبياً وأين كان ذلك؟
كان هناك عالم مكي كبيراً في سنه وقدره يقدم دروساً في الدين في الحرم المكي، وإذا خلص من الدرس وأراد القيام من كرسيه فإنه يتمسك بطرفيه قائلاً: يا كعبة الله، يا كعبة الله، بالطبع هذا نوع من الشرك، كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد طلب من ذلك الشيخ المكي أن يقرأ عليه شيئاً من القرآن الكريم، تحديداً من أواخر السور، وإلى أن وصل سورة قريش {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ}.
هنا استوقفه متسائلاً: كيف تقول فليعبدوا هذا البيت.؟ ألا تعلم بأن هذا لا يجوز، والصحيح عبادة رب البيت، هنا رد الشيخ بن عبد الوهاب: كيف تقول يا كعبة الله؟ تستنجد بها عند رغبتك في النهوض من الكرسي.
سأل الشيخ المكي: من أين أنت؟
قال: من نجد
المكي: إنني أسمع بشيخ شاب يقال له محمد بن عبد الوهاب، وأتوقعه أنت بكل تأكيد!
مرت الخطبة في مركز (المطاوي) خفيفة جداً، قيمة بمعنى الكلمة، نجح الخطيب في إيصال فكرة الاعتزاز باليوم الوطني بأسلوب في غاية التشويق والجاذبية، قال: قد نرى منكرات في بلادنا ونعتقد أن هناك تفريط وتهاون، لكننا لا نعلم حقائق الأمور، قد تدفع شراً أعظم بكثير من الشيء الذي نراه، لذا من الواجب نشر ثقافة حب الوطن لدى أفراد المجتمع، والاصطفاف خلف قيادته الحكيمة التي يحسب لها ولله الحمد أنها نشرت الأمن والأمان، وهيأت سبل الحياة الكريمة للمواطن والمقيم.
من فرط إعجابي بموضوع الخطبة والخطيب، سألت بعد خروجي من المسجد أحد المصلين عن اسم الإمام، كان رده: أنت لست من الديرة ومن الواضح أنك (طرقي) وعرفت هذا لأن الخطيب اعتاد قراءة سور طويلة في حال تواجد أشخاص غرباء من باب إكرامهم، بعكس ذلك يقرأ السور القصيرة لجماعة المركز!.
طلب هذا الرجل مني وصديقي مشاركته في غداء البيت، قلت له: مشكور، لنا صديق في شقراء ينتظرنا على الغداء، وأنت أكرمتني بتعريفي بخطيب المسجد، ذكر لي بأنه يحمل شهادة الماجستير في الشريعة فضلاً عن شهادتي بكالوريوس، ويعتبر من وجهاء مركز (المطاوي) واسمه (بدر بن نايف أبن درويش).
شكراً، شكراً، شكراً (شيخنا) بدر، على تلك الخطبة الرائعة، وأضيف أن الخطيب الممتاز ليس مرتبطاً بمدينة كبيرة، قد يبرز ويتألق في مركز أو هجرة نائية، وأنت أحدهم، وفقك الله.
و،،،، سامحونا