د.معراج أحمد معراج الندوي
يرتبط الإنسان بوطنه كما يرتبط الطفل بأمه. الإنسان بلا وطن جسد بلا إحساس، الإنسان بلا وطن كيان بلا روح، فالفاقد للوطن فاقد للأمن والاستقرار، والفاقد للأمن والاستقرار فاقد للاطمئنان.
إن الوطن في مفهومه الواسع والشامل هو الأرض والنظام والقيم، وهناك قاسم مشترك بين الإنسان والوطن الذي يعيش على أرضه. فلكل فرد يعيش على أرضه يحبها ويعبر عن هذا الحب بكل حرية، فحب الوطن رمز للعزة والفخر والعلو لمن يملكه في قلبه وفي شعوره.
إن حب الوطن غريزة متأصلة فِي النفوسِ جُبِل الإنسان عليها فليس غريبا أن يحبّ الإنسان وطنه الذِي نشأَ علَى أرضِهِ وترعرع بين جنباته وشرب ماءه وتنفس هواءه، وليس غريبا أن يشعر الإنسان بالحنينِ الصادقِ لوطنه عندما يغادره إلى مكان آخر لقوة الارتباط وصدقِ الانتماء، وليس غريبا أن يحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه وترعرع بين جنباته وأكل من خيره وعاش على بترابه، ولا يكون هذا الحب إلا بالاعتراف لهذا الوطن بما له من أفضال على الإنسان منذ ميلاده إلى مماته.
إن انتماء الإنسان إلى المكان الذي ولد فيه فطرة إنسانية فطر الناس عليها مشيرًا إلى أن الإنسان مجبول على حب الأوطان، فالإنسان بلا وطن فهو غريب أو لاجئ، لا يشعر بالحرية والكرامة، ولا يعيش حياة طبيعية سعيدة، ولا تتحقق الحرية والكرامة.
إن للوطن قيمة سامية في الإسلام، وإن الانتماء للوطن ليس مجرد شعارات وكلمات، بل هو حب وإخلاص وفداء وتضحية، فهو يحث الفرد على حب وطنه والدفاع عنه وتعزيز الانتماء إليه، وأبرز مثال على هذا هو حزن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة المنورة وترك مكة المكرمة حيث كانت مكة هي موطنه الوحيد الذي وُلدَ وعاش حياته فيه وتزوج على أرضه، حينما خرج منها وهو كان مجبرًا على خروجه، ولو لم يجبره أحد لما خرج منها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مجبولاً على حب الوطن، بكى الرسول صلى الله عليه وسلم عند المغادرة ونظر إلى مكة نظرة حزينة وقال بصوت حزين: «ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت» (الترمذي).
قد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذجا رائعا في حب الوطن والانتماء إليه حينما هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ويجب أن يكون هذا درساً يعلم الناس والشباب بالخصوص كيف يحبون أوطانهم ويبذلون التضحيات من أجل سلامته ورقيه وتقدمه.
إن حب الوطن انتماء فريد وإحساس راق وتضحية شريفة ووفاء كريم، فهو ليس مجرد لباس أو لهجة أو جنسية أو قانون أو أصباغ على الوجه، إنه أسمى من ذلك جميعاً، إنه حب سام، ويمكن غرس معانيه في نفوس الإنسان، لأن حب الوطن علامة من علامات الإيمان.
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية،كولكاتا - الهند