اعتدنا أن نجد أياماً بعينها يحتفل بها العالم كله لأغراض محددة أو لتعزيز قيم معينة مثل يوم الأم ويوم الصحة وهكذا. وكلها لها مواقع ثابتة على التقويم. يوم 23 سبتمبر هذا يوم اعتيادي على روزنامة التقويم لدى شعوب العالم ولكنه ليس يوماً اعتيادياً بالنسبة لمحمد بن سلمان. فما الوجه المختلف أو المغاير في ذلك؟
جرت العادة أن تحتفل الدول بأيامها الوطنية داخلياً وتكون مظاهر البهجة والفرح تعم أرجاءها ويحتفي شعب هذا البلد إيماناً منهم بإنجازات بلدهم وشكراً لوطنهم الذي ضمهم وضم من سبقوهم ومن سيلحقهم. وحسب البروتوكولات المتبعة يكون هناك تبادل برقيات تهنئة بين قيادات الدول وبين حكوماتها. هذا أقصى ما يمكن أن يحدث في الأيام الوطنية في أي بلد من بلاد العالم. إلا أن هذا السيناريو لم يكن في اليوم الوطني السعودي!
اليوم الوطني السعودي هذا العام يوم فارق في حياة شعوب الأرض فقد احتفلت به شعوب العالم كما احتفل به الشعب السعودي. وهذه ظاهرة عجيبة غريبة احتاج إلى وقفة تأمل ودراسة تعمق.
عندما تلاحظ ملامح الفرح والبهجة والاحتفال داخل المملكة فهذا مفهوم ولكن أن ترى دول وشعوب غير سعودية تحتفل باليوم الوطني السعودي فهذا والله لهو العجب وقوة التأثير وهذا بحق سحر محمد بن سلمان الذي ملك القلوب بشخصيته وذكائه وفطرته.
فعالمية اليوم الوطني السعودي ظاهرة فريدة والمنطق يحثنا على بحث الأسباب التي أدت إلى عالمية اليوم الوطني السعودي. وبعد تحليل وتفكير عميق في الأسباب المؤدية لسرد لكم بعض منها:
1. المملكة دائماً ما كانت غامضة ومبهمة للآخرين أما الحاضر فسياسات المملكة الحالية جعلتها في دائرة اهتمام وأنظار الآخرين ومحط إعجاب بها حتى باتت المملكة وقيادتها مضرب أمثال لدى مختلف الشعوب.
2. السياسات الداخلية الحديثة والتعامل مع الأزمات العالمية بشكل مرن ومغاير، أضف إلى السماح للمواطنين في المشاركة بصناعة القرار. هذا كان مصدر إلهام وإعجاب وتمني للعديد من الشعوب والمجتمعات.
3. الشعب السعودي ومدى اعتزازه بأرضه وقيادته وقيمه كان لها التأثير الإيجابي على الشعوب الأخرى.
ذهلت بالفعل مما شاهدته عبر وسائل التواصل الاجتماعية من مظاهر الفرح والاحتفائية خارج المملكة للاحتفال باليوم الوطني السعودي. استرجعت كل ما درسته وقرأته في القوة الناعمة وقد عملت في إستراتيجياتها فلم أجد مثل ما حصل من عالمية اليوم الوطني السعودي. هذا هو الدرس العميق في القوة الناعمة التي لم تدرسها مناهج ومنهجيات القوة الناعمة ولا حتى كتب جوزيف ناي في القوة الناعمة. فقد صنع اليوم الوطني السعودي احتفالية لدى الآخرين ليصبح حدثاً عالمياً. السؤال الذي بقي في ذهني وسيبقى في أذهان العديد: كيف ليوم وطني محلي أن يصبح حدثاً عالمياً؟ هذا السؤال سيفتح آفاقاً جديدة ومنهجيات عدة في إستراتيجيات القوة الناعمة.
لا أظن بأن يوم 23 سبتمبر أمسى يوماً اعتيادياً لدى شعوب العالم بل أصبح يوماً مميزاً ومشهوداً ومعلماً في قلوب الشعوب قبل أن يكون معلوماً في تقاويمهم. ولا يمكن أن أزيد إلا أن القادم أحلى وأقوى. لنختم هذا الموضوع بدعوة الجهات البحثية لدراسة الأثر لعالمية اليوم الوطني السعودي على المجتمعات الدولية. فهذا منهج جديد يضاف إلى منهجيات القوة الناعمة. وهذه مكتسبات وتأثير يجب الاهتمام به وتطويره إعلامياً وتعزيز أثره والبناء على مكتسباته. فإعلام ما بعد الحدث أقوى تأثيراً من الإعلام قبله!