علي الخزيم
قُبيل منتصف الشهر الميلادي الجاري حَدَث ما كان مَدار تحذير بهذه الزاوية وأقلام وأصوات تنادي بالحيطة والحذر من تقلُّبات أمزجة المُعتلِّين نفسياً أو عقلياً، ويعيشون وسط المجتمع دون قيود تَحُدّ من مخاطر تصرفاتهم غير المأمونة، فقد أقدم مُعْتَلٌ بمكة المكرمة «32 سنة» على قتل والديه طعناً، وبحسب الأخبار فإنه معروف العِلَّة من ذويه وجهة عمله الأمنية، وسبق ادعاءه المَهديَّة ووالده كان يعرضه على الرقاة دون جدوى، ومتزوج ولديه أطفال، فكل هذه المعطيات تدعو للتأمل العميق بهذه الحالة كنموذج لحالات سابقة ومستقبلية قد تكون أكثر إيلاماً وأثراً اجتماعياً مُقلقاً، ومعلوم أن الله سبحانه قد كرَّم الإنسان ومَيَّزه بالعقل، فإن ذهب عقله بمرض أو جنون فحكمه يُلحق بالسفيه والصغير غير المُمَيِّز ويُسأل عنه ذووه نظاماً وشرعاً، وتلتزم جهات الاختصاص الرسمية بعلاجه وخدمته صحياً بقدر الإمكان، فهل تكون هذه الحالات التي تتداولها الاخبار خارج نطاق اهتمام الأسرة والمجتمع المحيط كالأقارب وجهات الاختصاص الرسمية؛ رغم أن المعتلين يَجُولُون بيننا كحالات طبيعية سليمة؟! فإن بحثنا عن جهود بعض جهات الاختصاص المَعنيَّة بهم فإن (مجمع إرادة للصحة النفسية بالرياض) يقول إنه يسعى إلى تحقيق الريادة بمجموعة من البرامج والأنشطة تناسب فئات وشرائح المجتمع كالتوعية والإرشاد وتوجيه أسر المرضى عن الأمراض النفسية، وكيفية التعامل مع المريض النفسي وطبيعة مرضه والتقليل قدر الإمكان من الانتكاسة، وتقديم الاستشارات حضورية وهاتفية، ويلفت الانتباه توضيحهم بأنهم يُقدِّمون خدمة مُيسَّرة للمجتمع الكترونياً، حيث يمكن عن طريق موقعهم سرد وعرض المشكلة كتابياً بأي وقت؛ ثم يرد عليها مجموعة من المختصين، وكان من المأمول تكثيف الإعلان عن هذه الخدمات فكثير من الأسر لا يعلمون عنها.
ويؤكد مختص سعودي بإحدى دراساته أن المعتقدات السلبية المتداولة اجتماعياً حول مفاهيم المرض النفسي تؤثر على سُبل الحصول على الرعاية الصحية نظراً لموقف المريض ذاته أو ذويه ونظرتهم الاجتماعية للمسألة، وأنه كلما ارتفع الوعي المَعْرِفي بالأمراض النفسية لدى المصاب أو أسرته كان سلوكه أفضل تجاه خدمات الصحة النفسية؛ أو النظرة العامة للمرض، ويوصي بعض المختصين بدمج المرضى النفسيين بمجتمعهم واقتران خدمات الصحة النفسية بالتخصصات الطبية الأخرى للتقليل من النفور من المرضى النفسيين أو مُقدِّمي خدمات الصحة النفسية.
وأرى أن مناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية بالعاشر من اكتوبر فرصة ثمينة لتكثيف التوعية بشأن هذه القضية الاجتماعية التي سجَّلت مزيداً من القلق مع جائحة كورونا، ولدعوة جهات الاختصاص ومؤسسات المجتمع للظهور بطرق وأساليب مُبتكرة أكثر فاعلية من سابقاتها التقليدية قليلة التأثير وضعيفة الوصول للمُستَهدفِين لا سيما بعض أهالي المرضى غير المُدركين لخطورة وضع أبنائهم المُعتلين؛ أو يفتقرون لمزيد من المسئولية والاهتمام تجاههم، وعلى المجتمع بكل أطيافه مسئولية التعاون مع جهات الاختصاص كالتبليغ عن المصابين وعدم تركهم للظروف والمفاجآت الصادمة، وان صَحَّ ما يقال بأن الشرطة مثلاً تتعذر بأنها لا تلاحق هؤلاء لحجزهم إلا إذا أحدثوا خللاً، وكذلك الصحة والمستشفيات تتعذر بأن دورها علاجي وليس المُلاحقة والإحضار، فمن يعلق الجرس إذن؟!.