د.شريف بن محمد الأتربي
كلما هممت بكتابة مقال جديد، نازعتنا اللغة بين المذكر والمؤنث، فهل أكتب مقال، أم مقالة، مقالي، أم مقالتي، وكنت أتجاوز هذا النزاع بكتابة مصطلح مقال مكتفياً بتذكيره دون تأنيثه، وليس ذلك نابعاً من عنصرية تجاه سيداتنا الأفاضل بقدر ما هو تعود على لفظ أو مصطلح. وفي لحظة ما وخلال كتابة مقالي الأخير هيئ لي فجأة أني قد وقعت أسيراً بين اللفظ مذكره ومؤنثه، كليهما يريد أن يظفر بي غنيمة، ويضمني إلى معسكره، ورغم الأصفاد التي وضعها كل منهما على يدي وأصابعي حتى لا أستمر في الكتابة، إلا أني استطعت أن اتفق معهم على هدنة قصيرة أقوم فيها بالبحث عن أصل المصطلح مذكراً كان أم مؤنثاً، وبعدها يقررا إلى أي معسكر سيتم نقلي واستكتابي لإقرار اعتراف مني بأحقية أي منهما في البقاء، والاستخدام الدائم في كتاباتي، واختفاء الآخر وعدم ظهوره مرة أخرى من قريب كان أو من بعيد.
وقد جاءت لفظة (مقال) في المعاجم كما يلي:
معجم اللغة العربية المعاصرة: مَقال [مفرد]: مصدر ميميّ من قالَ/ قالَ بـ/ قالَ عن/ قالَ في/ قالَ لـ: قول «مقال عميق- خير المقال ما صدقته الفعال- لكلّ مقام مقال». وهي أيضاً بحْث يُنْشَرُ في صحيفة أو مجلَّة «مقال افتتاحِيّ/ نَقْديٌّ».
وفي معجم الغني، مَقَالٌ، مصدرها [ق و ل]. (مص. قَالَ) مَقَالٌ مُؤَثِّرٌ: قَوْلٌ. «لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ» «لِسَانُ الْحَالِ أَبْيَنُ مِنْ لِسَانِ الْمَقَالِ» مَقَالٌ أَدَبِيٌّ: بَحْثٌ قَصِيرٌ فِي مَوْضُوعِ أَدَبِيٍّ يُنْشَرُ فِي جَرِيدَةٍ أَوْ مَجَلَّةٍ. «مَقَالٌ سِيَاسِيٌّ» «مَقَالٌ نَقْدِيٌّ» «يَنْشُرُ مَقَالاَتِهِ فِي الجَرِيدَةِ بِاسْتِمْرَارٍ».
وفي معجم الرائد، مقال (قول، قيل) 1-مص. قال يقول وقال يقيل. 2-قول. 3-قيلولة. 4-مكان القيلولة.
وكذلك المعجم الوسيط، الْمقَال: القيلولة وَمَوْضِع القيلولة.
أما معجم الصواب اللغوي، فجاء فيه: كَلام مُقَال، وحكمه: مرفوض. والسبب: لاستعمال اسم المفعول من الفعل «أقال»، مع عدم وروده في المعاجم، بدلاً من اسم المفعول من الفعل «قالَ».
المعنى: مُخْبَر بِه. والصواب والرتبة: -كَلام مَقُول [فصيحة]-كَلام مُقَال [صحيحة].
لقد أوردت المعاجم الفعل الثلاثي المجرَّد ومشتقاته للسياق المذكور «قالَ» واسم المفعول «مقول». ويمكن تصحيح الاستعمال المرفوض اعتمادًا على إجازة مجمع اللغة المصري ما شاع استعماله من الأفعال الثلاثية المزيدة بالهمزة «أفعل»، التي جاءت بمعنى «فَعَل» الثلاثي المجرَّد، على أن تكون الهمزة لتقوية المعنى وإفادة التأكيد. وقديمًا ذكر ابن منظور أنَّ فَعَل وأفعل كثيرًا ما يعتقبان على المعنى الواحد، نحو: جَدَّ الأمر وأجدَّ، وصددته عن كذا وأصددته، وقصر عن الشيء وأقصر... وعَقَد ابن قتيبة في كتابه: أدب الكاتب بابًا بعنوان: فَعَلتُ وأَفْعلتُ باتفاق المعنى. وذكر في هذا الباب أكثر من مئتي فِعل مسموع عن العرب، فضلاً عمَّا في صيغة «أفعل» المزيدة بالهمزة من الإسراع إلى إفادة التعدية. وقد أجاز مجمع اللغة المصري كلمات مشابهة مثل: مُصاغ، ومُقاد، ومُهاب، ومُصان، وغيرها.
أما المقالة اصطلاحاً، فتُعرّف بأنّها: تركيبة إنشائية قصيرة، تدور حول موضوع معيّن أو أحد محاور هذا الموضوع، حيث تُكتب المقالة بأسلوب مُبسّط وسهل الفهم عند القارئ، وتُظهر المقالة قدرة الكاتب في إظهار ما لديه من إبداع ومن مبادئ فكريّة تجاه موضوع معيّن، حيث تكون المقالة عبارة عن مقدمة، والموضوع الذي يكون في الوسط ثم الخاتمة. وتُعرّف المقالة في معجم المعاني الجامع بأنّها عبارة عن بحث قصير في المواضيع الأدبية أو السياسية أو العلمية حيث تُنشر هذه الأبحاث في المجلات الأدبية أو السياسية أو العلميّة.
وجاء في الموسوعة العربية الشاملة في تعريف المقال: عُرف قاموس المعاني كلمة Article بأنها هي التي تعني المقالة، إلى جانب أنها تشبه في معناها كلمة Essay ؛ إذ إن تلك الكلمة الإنجليزية هي التي تعني المقال التحليلي، فما شرح القاموس إلى معنى (noun) article هي التي تُشير إلى عدة معانٍ والتي من بينها تدوين، تجهز، بحث، سلعة، فقرة، آلة، أجهزة؛ وكذا فقد قدم القاموس معاني أخرى لكلمة article (noun) وهي التي تعني الأدوات والأغراض والبضائع، اللوازم، السلع، الضرورات، والمعدات.
ومن أنواع المقالة:
- المقالة الذاتية: يطلق على المقالة الذاتية أيضاً مصطلح البيان الشخصي كونها تعبر عن شخصية الكاتب، وهي من أكثر أنواع المقالات شيوعاً.
- المقالة الموضوعية: وهي نوع من المقالات تدور حول موضوع واحد، ويتم كتابتها بأسلوب علميّ وواضح ودقيق.
- المقالة الوصفية: يمكن تعريف المقالة الوصفية على أنّها تلك التي تدمج في تعبيرها الصور مع الكلمات، وقد يصف فيها الكاتب شخصاً معين، أو مكان ما، أو ذكرى ذات أهمية خاصة.
- المقالة العلمية: تتطلب كتابة المقالة العلمية شرح النتائج، أو التعبير عن رأي لشخص آخر بشكل موضوعي، أو تلخيص موضوع ما، كما يجب أن تكون المقالة واضحة، ومتماسكة، ومدروسة.
ورغم كل هذه الشروحات، لم يشبع نهمي لمعرفة الفارق بين المقال والمقالة، ولم تمل كفتي نحو إحداهما حتى قرأت ما كتبه الدكتور مروان الجاسمي الظفيري في تفرقته بين المقال والمقالة قائلاً: (المقال)، و(المقالة): كلاهما صحيح فصيح، فالكلمة الأولى مذكرة، والثانية مؤنثة. وكلاهما ترجع إلى أصل واحد؛ وهو (القول). وقد وردت الكلمتان في كلام العرب؛ فمن ورود (المقال) مذكراً؛ قول زهير بن أبي سُلْمى؛ (ديوانه 268) :لَمَا أَسْمَعْتُكم قَذَعًا ولكن= لكلِّ مقامِ ذي عانٍ مقالُ. وقول حُمَيْد بن ثور الهلاليّ؛ (ديوانه 89): أَتَانِيَ عَنْ كَعْبٍ مَقَالٍ وَلَمْ يَزَلْ= لِكَعْبٍ يَمِينٌ مِنْ يَدِيَّ وَنَاصِرُ. وقول ثعلبة بن صَعْيَر المازنيّ في المفضليّات (131): حَتَّى تَوَلَّى يَوْمُهُمْ وَتَرَوَّحُوا = لا يَنْثَنُونَ إلى مَقَالِ الزَّاجِرِ
ومن ورود (المقالة) مؤنثة، قول حُذيفة بن أنس الهذليّ: (شرح ديوان الهُذَليّين للسُّكَّرِيّ (2/554):
وقولا لهمْ مِنِّي مَقَالَةَ شَاعِرٍ= أَلَمَّ بِقَوْلٍ لِمْ يُحَاوِلْ لِيَفْخَرَا.
وقول الحُطَيْئَة: (ديوانه 113): هُنَالِكَ لا أَخْشَى مَقَالَةَ قَائِلٍ = إذا انْتَذَبَ العُزَّابُ في الحَجَرَاتِ
وقول عَنْترة بن شدّاد العَبْسيّ: (ديوانه 336) فَلَئِنْ صَرَمْتَ الحَبْلَ يا ابْنَةَ مَالِكٍ = وَسَمِعْتِ فِيَّ مَقَالةَ العُذَّالِ
وبعد طول عناء، وفض للاشتباك، ومقارعة بالأبيات، آليت على نفسي ألا أكون حكماً بين اللغوين ولتبقى مقالتي مع مقالي في اللغة وسأخفي عنهما ماذا سأكتب غداً.