د. محمد بن يحيى الفال
تزامنت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لأعمال الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة مع احتفالات المملكة بذكرى توحيدها الواحدة والتسعين التي سطرت تاريخاً مُمتداً يُنهل منه باستمرار بتضحيات ودورس في الحزم والعزم قادها الملك الموحد عبدالعزيز رحمه الله بحنكة سياسية ومقدرة خلاقة ومبدعة في إدارة شئون الحكم. جاءت الكلمة السامية وافية وضافية وتطرقت بشفافية مباشرة لأهم القضايا الهادفة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين اللذين هما أهم محورين سعت لتحقيقهما الأمم المتحدة وكانا السبب المباشر لقيامها بعد حربين عالميتين قوضتا أسس السلم الدولي، الحرب العالمية الأولي والثانية. نوهت الكلمة في بدايتها بدور المملكة في تأسيس منظمة الأمم المتحدة إيمانا منها بأهمية حل الصراعات بشكل سلمي ولتؤكد بأن التعاون الجماعي لتحقيقه أمر تفرضه الكثير من الوقائع المستجدة وجاءت جائحة كورونا كدليل على ذلك وبكل ما أفرزته الجائحة من مخاطر جمة على صحة ومعيشة الإنسان فقد استطاعت المملكة ومن خلال ترؤسها لأكبر مجموعة اقتصادية عالمية هي مجموعة العشرين من إدارة دفة أزمة جائحة كورونا بكل اقتدار ومسئولية بنتائج باهرة داخليا وبدعم خارجي تجاوز 800 مليون دولار لمساعدة الجهود العالمية للتصدي للجائحة. دور المملكة كدولة مؤثرة في الساحة الدولية وملتزمة بميثاق الأمم المتحدة بكونها دولة مؤسسة لها وضعها في الترتيب الثالث عالميا والأول على المستويين العربي والإسلامي وذلك في قائمة الدولة المانحة لمواجهة تداعيات الجائحة الكونية ومع جهود مسئولة من خلال كل من مجموعة العشرين وتحالف أوبك بلس لتعزيز الوضع الاقتصادي مع السعي لاستقرار أسواق النفط لمساعدة دول العالم في الجهود الاقتصادية والإنسانية لمواجهة الجائحة.
الشأن البيئي كان أحد محاور الكلمة السامية ونُوه فيه عن جهود المملكة لمواجهة التغير المناخي، السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر والاقتصاد الدائري للكربون وهي حزمة مبادرات أطلقها ويرعاها بشكل مباشر صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ووزير الدفاع، والجدير ذكره هنا هو أن اهتمام المملكة بالبيئة أمر مستمر ونراه في السنوات الأولى من بداية توحيد البلاد وتحديداً خلال اجتماع الملك عبدالعزيز رحمه الله مع الرئيس الأمريكي روزفلت حيث اتفقا على التعاون الزراعي بين البلدين وهو الأمر هدف منه الملك عبدالعزيز رحمه الله لتوطين البادية في هجر زراعية تقدم لقاطنيها الرعاية الطبية والتعليمية والاجتماعية.
رؤية المملكة 2030 تطرق لها الخطاب الملكي وربط أهدافها لتحقيق الازدهار ليشمل مواطني المملكة ومن أجل غد أفضل لشعوب منطقة الشرق الأوسط والعالم، مُنوها بإنجازات الرؤية على امتداد الخمس السنوات المنصرمة في عدد من الإنجازات شملت الصناعات المحلية، تطوير البنية التحتية، تقنيات الاتصالات، حلول الطاقة وتمكين كل من المرأة والشباب.
تعزيز سُبل السلم والأمن الدوليين وهما بيت القصيد للاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة أفرد لهما الخطاب الملكي النصيب الأكبر منه لتشمل جهود المملكة في تعزيز التعاون الخليجي ودعم المملكة لتعزيز أمن كل الأشقاء في العراق، سوريا، ليبيا وأفغانستان وكذلك دعم حقوق كل من مصر والسودان في حصتيهما من نهر النيل. قضية العرب الأولى وشاغلة أمن واستقرار الشرق الأوسط أكد الخطاب الملكي على خيار حلها بشكل سلمي يستند على القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية لإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 بالقدس الشرقية عاصمة لها.
مبادرة السلام التي أطلقتها المملكة منذ عام ونصف لإنهاء الصراع في اليمن حقناً للدماء ومراعاة لما يعانيه الأشقاء اليمنيين نوه عنها الخطاب الملكي مُذكرا العالم بمسئولياته تجاه جرائم ميليشيات الحوثي الإرهابية التي قوضت السلم والأمن الداخلي في اليمن بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ اليمن الحديث كانت نتيجته معاناة غاية في الخطورة يتعرض لها الأشقاء المدنيين في اليمن مع استهداف ممنهج ومستمر ضد الأهداف المدنية من مطارات ومنشآت بترولية في المملكة استخدمت فيها الصواريخ الباليستية والطائرات المُسيرة والقوارب المُفخخة لشل حركة خطوط الملاحة الدولية.
الخطاب الملكي ومن منطلق دولة مسئولة تسعى للعيش بسلام في منطقة عانت من الصراعات لعقود أزهقت فيها الأرواح وبددت فيها مليارات وجهت رسالة سلام لقادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية تذكرهم بحقوق الجيرة بفتح صفحة من الثقة من خلال المحادثات القائمة حالياً بين البلدين تستند لمبادئ الشرعية الدولية والكف عن دعم الجماعات الإرهابية والانقلابية والتي اتضح بأن نتائجها لن تكون إلا نشراً للمزيد من الخراب والدمار ومعاناة المدنيين التي وصلت إلى مستويات كارثية في كل من اليمن، لبنان، العراق وسوريا وفي إيران نفسها ومن المتوقع أن تزداد سوءا مع قادم الأيام بسبب التداعيات الكارثية لجائحة كورونا. القول الفصل هنا وفيما يخص اليمن تحديداً فالمملكة لن تسمح بأي شكل من الأشكال أن يتم تقويض أمنها وأمن مواطنيها والمقيمين على أراضيها من قبل عصابة انقلابية مرفوضة بادئ القول من الغالبية العظمي من أشقائنا في اليمن. الكرة الآن في الملعب الإيراني وآن الأوان لهم للوصول إلى قناعة لا لبس فيها بأن جهودهم في دعم عصابة الحوثي الانقلابية لن تكلل بالنجاح طال الزمان أو قصر وليس لها من نتائج سوى تداعيات كارثية على الأشقاء في اليمن ومعاناة الشعب الإيراني الشقيق من هدر لثرواتهم في تصدير ثورات لن يكتب لها النجاح بأي حال من الأحوال.
الخطاب الملكي للجمعية العامة للأمم المتحدة أكد للعالم ما يعرفه عن المملكة كعضو مؤسس للأمم المتحدة وبأنها دولة فاعلة في الشأن الدولي تسعى للسلام وتضعه دوماً كخيار لها بدون تفريط في حقوقها المشروعة في الدفاع عن أراضيها، دولة مسئولة تضع كافة إمكاناتها ليس فقط لخدمة مواطنيها بل لخدمة الإنسانية جمعاء، (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)...