«الجزيرة» - كتب:
أصدر د.فهد بن إبراهيم البكر - أستاذ الأدب والنقد في جامعة حائل، كتابه: (الشِّعرُ الرَّسَائِليُّ في العَصرِ الحَدِيثِ مقاربةٌ تَدَاوليةٌ لآلياتِ التّواصلِ الشّعريِّ من خلالِ بعضِ النماذج العربية)، وترومُ هذه الدراسةُ البحثَ في نماذج من الشعر العربي الحديث في مختلف أشكاله, واتجاهاته, المتقدم منها والمتأخر, والتراثي منها والحداثي؛ وقد سعت الدراسة إلى مقاربة الشعر الرسائلي في العصر الحديث من زاوية المنهج التداولي, والمبادئ الحجاجية؛ فحاولت في تمهيدها التعرف على مفهوم تواصلية الشعر الرسائلي في العصر الحديث وأبعاده؛ ثم عالجت الدراسة هذا اللون من الشعر من الناحية الإشارية أي الصيغ التي تشير وترمز؛ ثم تناولت قوانين الشعر الرسائلي, ومبادئه التواصلية؛ أي إستراتيجيات الشعر الرسائلي؛ ثم عالجت الدراسة المراتب المقامية في الشعر الرسائلي, وأبعادها الحجاجية, ثم خُتِمت الدراسة بتسليط الضوء على نظرية الأفعال الكلامية في الشعر الرسائلي.
واشتملت خاتمة الدراسة على بعض النتائج المثمرة, والتوصيات المهمة. وحفلت مصادرها بالدواوين الشعرية المتضمنة نصوصاً ذات علاقة رسائلية؛ كما اعتمدت مراجعها على الدراسات النقدية الأصيلة, والمتجددة.
وتتجلى أهمية هذه الدراسة في كشفها عن لون شعري حديث ذي امتدادٍ قديم, وأصولٍ تراثية؛ تنطلق من موضوع يمزج بين الأصالة والعراقة, والجدة والحداثة؛ وقد رصدت الدراسةُ ظاهرةَ (الشعر الرسائلي) لدى جملة من الشعراء منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي ( 1801م ), وما بعده, إلى يومنا هذا؛ وعند نزرٍ من المشهورين, والمغمورين؛ فكانت هذه الظاهرة سبباً لاختيار موضوع كهذا؛ نظراً لارتباط الشعر الوثيق بالرسالة من حيث وظيفتها التواصلية؛ ونظراً إلى ما تميز به هذا اللون الشعري من أبعاد, وسمات جمالية, مع ندرةٍ في الإقبال على هذا الموضوع الذي لم يحظَ بعدُ باهتمام النقاد والباحثين من وجهة نظرنا المتواضعة.
وترمي هذه الدراسة إلى مقاربة (الشعر الرسائلي في العصر الحديث) من الناحية التداولية والحجاجية متطلعةً إلى تحقيق جملة من الأهداف, يمكن إجمالها فيما يلي:
1 - الكشف عن أثر الرسالة في إنتاج الشعر العربي الحديث, والإشارة إلى الإرهاصات القديمة.
2 - استجلاء الوظائف التواصلية للشعر الرسائلي في العصر الحديث, وتنقيب آثارها الجمالية, وأبعادها التداولية.
3 - رصد ظاهرة (الشعر الرسائلي) في العصر الحديث لدى جملة من الشعراء المتنوعين في مختلف البلدان العربية, سواء البارزين منهم, أو المغمورين, وسواء المتقدمين, أو المتأخرين.
4 - تحديد السياقات التداولية, والنظريات الحجاجية الجديدة النابعة من القصائد الرسائلية.
5 - قراءة الشعر العربي الحديث قراءة نقدية جديدة تنطلق من الرهانات النقدية الجديدة, ولا سيما التداولية.
ج - الدراسات السابقة والحقول المتجاورة:
لم نجد من تعرّض لدراسة هذا الموضوع تحديداً, كما لم نجد من لفت الانتباه لموضوعات قريبة منه, إلا ما كان من إشارات قريبة الصلة؛ ولكنها بعيدة عن صلب دراستنا (الشعر)؛ فأكثر تلك الإشارات تهتم بالرسالة الشعرية بوصفها شكلاً, وليست أثراً فاعلاً في الخطاب الشعري نفسه, هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى فإنها لا تتناول الشعر من المنظور التواصلي التداولي.
د - منهاج الدراسة وآليات الاشتغال النقدي:
الحديث عن الشعر الرسائلي في العصر الحديث متولّد من الرسالة؛ ولأن الرسالة وسيلة تواصلية؛ فإن المنهج الذي سوف نسير عليه هو المنهج التداولي وما يتفرع عنه من نظريات التواصل والحجاج؛ وسوف تحرص الدراسة على تطبيق أهم المبادئ التداولية, والقوانين التواصلية, والمبادئ الحجاجية؛ معتمدة على النظريات النقدية الأحدث في الحقل التداولي, على الرغم من أن هذا المنهج ما زال حديثاً؛ وهو أحد أشكال تطور النقد الحديث, والبلاغة الجديدة.
ولئن زعم بعض النقاد صعوبة مقاربة الشعر من الجانب التداولي, فإن هذا الزعم يدفع بنا إلى دراسة هذا الموضوع؛ لاكتشاف الجديد, والمثير؛ فالشعر الرسائلي قد يغيرّ من تلك التصورات؛ وعليه فإن هذا العنوان, وهذا المنهج, قد ينهضان بالرد على جملة من الباحثين والنقاد الذين نظروا إلى الشعر والحجاج بأنهما متعارضان؛ ومن هنا كانت الفرصة مناسبة للخروج بدراسة تجرّب نظرياتها التداولية, وآلياتها الحجاجية, ومبادئها التواصلية على الشعر الحديث, وتطبقها بطريقة نقدية جديدة.
ه - معمار الدراسة وتبويبها:
تقوم الدراسة على مقدمة, وتمهيد, وأربعة فصول, وخاتمة, ومصادر ومراجع؛ فأما المقدمة فتوضح أهمية الموضوع, وأسباب اختياره, وأهدافه, ودراساته السابقة, ومنهجه, وتبويبه. وأما التمهيد فسيكون حول (تواصلية الشعر الرسائلي في العصر الحديث: المفهوم والأبعاد)؛ ثم تستفتح الدراسة فصلها الأول بعنوان (الشعر الرسائلي إشارياً) وسيقوم هذا الفصل على أربعة مباحث تشمل: التأشير الشخصي والنحوي, ثم التأشير المكاني, ثم التأشير الزماني, ثم التأشير المزدوج.
وتتجه الدراسة بعد ذلك إلى الفصل الثاني الذي سيناقش (قوانين الشعر الرسائلي ومبادئه التواصلية: إستراتيجيات الشعر الرسائلي) وفقاً لأربعة مباحث هي: إستراتيجية القصد والترابط المنطقي, ثم إستراتيجية العلاقة والتوقعات, ثم إستراتيجية الافتراض والاستلزام والاستدلال, ثم إستراتيجية الإحالة والإخبار.
ثم تدلف الدراسة إلى الفصل الثالث المعنون بـ (المراتب المقامية في الشعر الرسائلي وأبعادها الحجاجية), ويشتمل هذا الفصل على أربعة مباحث هي: المقامية والسلم الحجاجي, ثم المقامية والعلاقات الحجاجية, ثم المقامية والأشكال الحجاجية, ثم المقامية والموجهات الحجاجية.
بعد ذلك تدخل الدراسة على الفصل الرابع بعنوان (الأفعال الكلامية في الشعر الرسائلي الحديث), وسيثار هذا العنوان وفقاً لأربعة مباحث هي: أفعال القرار, وأفعال التعهد, وأفعال السلوك, وأفعال الإيضاح. ثم خاتمة الدراسة, فقائمة بمصادرها ومراجعها.
و - نتائج الدراسة وأهم توصياتها:
خلصت الدراسة إلى جملة من النتائج يمكن إجمالها على النحو الآتي:
1 - مفهوم الشعر الرسائلي في العصر الحديث ظل غائباً في ظل الاهتمام بالرسائل الشعرية فجاءت هذه الدراسة لتنظر من زاوية أجناسية أخرى تختلف عن تلك الزاوية في عرضها, ونقدها.
2 - الشعر الرسائلي في العصر الحديث ظاهرة بارزة من حيث النماذج, وهو لا يقل شأناً عن جماليات الشعر الخالي من الرسائل, إن لم يتفوق عليه بمعززاته الرسائلية, ومقوماته الحجاجية (المقامية).
3 - قلة الدراسات المهتمة بهذا العنوان تحديداً في مقابل الدراسات التي تنظر من زاوية الرسالة فقط, بل إن الدراسات لا تكاد تُذكر في هذا الباب قديماً, وحديثاً.
4 - قراءة الشعر العربي الحديث قراءة جديدة ومعاصرة, ومحاججة؛ ذلك أن البحث في الشأن التواصلي (البراغماتي) يأخذ في عين الاعتبار الإفادة من بعض قوانين البلاغة القديمة وجذورها, وأصولها التي استحالت فيما بعد نقداً حديثاً, وبخاصة لدى الغربيين الذي طوّروا من أسس البلاغة القديمة, وجددوا في كثير من مباحثها.
5 - ظهور أشكال شعرية مستجدة في الشعر الرسائلي الحديث, كالشعر الآلي النابع من (البرقيات), والشعر (الفوتغرافي) النابع من الصور, أو ما يكتب خلف الصور الشخصية.
وكان من أهم توصيات الكتاب ما يأتي:
1 - دراسة مثل هذا الموضوع من زوايا أعمق, وأدق, كالتركيز على شاعر معيّن, سواء كان من شعراء مطلع العصر الحديث (البارودي - حافظ..), أم كان من شعراء متأخرين (القصيبي - الثبيتي..) أم معاصرين (اللعبون - الصحيّح ..).
2 - مقاربة هذا الموضوع من مناهج نقدية حديثة أخرى, كالمنهج السيميائي, والموضوعاتي, والثقافي, والتفكيكي, والتأويلي, ونحو ذلك.
3 - مقاربة هذا الموضوع من الناحية الشعرية, والأجناسية, والحوارية؛ تلك التي تهتم بأصل الأجناس, وتوالدها, وتناسلها, ويمكن الإفادة في هذا الباب أيضاً من طروحات الإنشائيين من حيث دراسة بنية الحكاية, وبنية الخطاب داخل النصوص الشعرية الرسائلية, والاهتمام بسردية الشعر الرسائلي الحديث وحكائيته.
4 - محاولة التأريخ لهذه الظاهرة, أي ظاهرة الشعر الرسائلي, منذ القديم إلى يومنا هذا, ودراسة ذلك (بيبلوغرافيًّا), أو (بيبلومتريًّا) من خلال التركيز على أهم العصور, والنماذج من المنظور التاريخي, والاجتماعي, والنفسي.
5 - تحديد بعض الأجناس, والأشكال الأدبية المحاذية للرسائل في علاقتها مع الشعر, ودراستها من منظور نقدي حديث, كالشعر النابع من الوصايا, أو التوقيعات, أو نحو ذلك.
وإنا لنرجو أن يكون هذا العمل إسهاماً متواضعاً في نقد الشعر العربي الحديث, والمعاصر, وبخاصة من زاويته التداولية؛ لأنها الأقرب إلى روح التواصل الجديد الذي تنشده الدراسات النقدية الحديثة اليوم, وذلكم هدف يؤسس لرؤى جديدة في دراسة الشعر العربي بوجه عام عن طريق استثمار التداوليات المعاصرة, ومبادئ الحجاج, وإستراتيجيات التواصل المتجددة.