مها محمد الشريف
في خريف العام 2021 ودون الكثير من الخيارات، أظهرت الولايات المتحدة الأمريكية تلاقياً سياسياً مع المملكة المتحدة وأستراليا مما جعل فرنسا عالقة في تحالف ثلاثي كشف عن غضبها، فأمريكا بدأت تفترق عن أوروبا وشركائها بالناتو وأصبحت العلاقة تنافسية وليست تكاملية، وأن حلفهم التاريخي أصبح هشاً، وأوروبا تعي أهمية ابتعادها عن أميركا بكثير من الملفات وتعتمد على نفسها، لذلك ستشكل قوتها الخاصة بها وفرنسا هي الداعم لهذه الفكرة منذ زمن ويمكن اعتبار ما قامت به أميركا من ضرب للصناعة العسكرية الفرنسية جزءاً من معركة التنافسية القادمة بينهما وتعزيز القدرات الأسترالية بغواصات نووية لتصبح الدولة السابعة في تكنولوجيا عسكرية تعمل بالطاقة النووية، وتزويدها بقوات صاروخية متطورة بعيدة المدى.
مما أثار العديد من النقاشات والتفاصيل حول تكنولوجيا عسكرية حساسة للغاية ونوعية الحلفاء وستكون أستراليا الدولة الثانية التي تستفيد من هذه التكنولوجيا وتمكينها لمواجهة الصين عسكرياً بحسب موقعها في منطقة المحيط الهادي والهندي في حال استدعى الأمر الحرب مع الصين، وهذه الصفقة أدت إلى غضب فرنسا، فهل تعيد صفقة الغواصات خريطة التحالفات وتشعل سباق تسلح عالمي بعد هذه التعزيزات لأستراليا بعد تدهور العلاقات بينها وبين الصين.
لعل الجانب الأكثر إثارة هو التوتر القائم بين أستراليا والصين والإجراءات العاجلة للولايات المتحدة في محاولة منها لتحصين أحد حلفائها، نتيجة لما تتطلبه الظروف حيث تعد الشراكة الأمنية الجديدة بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة (أوكوس) AUKUS، ستمكن أستراليا من تزويد أسطولها بغواصات هجومية تعمل بالدفع النووي، إشارة واضحة للصين وكذلك لحلفاء الولايات المتحدة في آسيا بأن واشنطن عازمة على تصعيد المواجهة ضد الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي في المرحلة المعاصرة.
لذا، فإن أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين فرنسا وأمريكا وأستراليا، تشكلت بعد تراجع أستراليا عن صفقة الغواصات، وتأتي أهمية التساؤلات هنا في طبيعة الأزمة القائمة وما هو متوقع بعد هذه الخلافات مستقبلاً؟ وهل سيتغيّر المفهوم القديم للأمن الدولي بعد دعوة فرنسا للتحالف الأوروبي بإعادة التفكير في التحالفات القديمة؟
وهل غابت الصين عن المشهد، أم كل ذلك لتشكيل جبهة موحّدة لاحقاً في سياق المفاوضات بمواجهة روسيا والصين، قبل السعي لضم الدول العشر غير الدائمة العضوية إلى موقفها، وهذا ما جعل طموحات أميركا الأكثر إثارة للدهشة، ففي الوقت الحاضر كلا الطريقين ممكنان في السياسة الأمريكية، بداية من تسوية ميدان اللعب بين الأقوياء والضعفاء، وتدخلات تهدد بإنتاج أشد الأسلحة قمعاً وتطرفاً في التاريخ البشري.
مع ذلك ستواجه أستراليا حرجاً مع الدول الموقعة على حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، فلم تعد منكفئة على نفسها أو لها كامل حريتها في تصريف شؤونها، وأهم شيء ينبغي التوقف عنده الآن، هو نوع القيود التي ستفرضها الولايات المتحدة على عملياتها، وخصوصاً أن مفاعلات الغواصات الأمريكية تستخدم حاليًا اليورانيوم المستخدم في صنع القنبلة النووية، فإلى أي مدى سيؤثّر هذا التحالف على العالم؟ فهل هي سلسلة تحالفات ثنائية وثلاثية قادمة؟