د. محمد بن إبراهيم الملحم
ويدعى Passion to Learn ويمكنك أن تسميه فضول التعلم Curiosity حيث يعده علماء النفس التربوي أساس ما يعرف بالدافعية، التي نظمت حولها نظريات ونماذج منذ عهد بافلوف وثورندايك، ومن الشائع لدى المعلمين أن الحوافز والمكافآت من مثيرات الدافعية المهمة، وكذلك يقول الأمر نفسه أصحاب نظرية الثواب والعقاب، ومع أن هذه كلها مؤثرات ذات أهمية إلا أنها لا تعدل درجة إثارة شغف المتعلم وفضوله إلى المعرفة والاكتشاف الذي هو غريزة فطرية إلى حد كبير، ومع ذلك تتفاوت هذه الغريزة في حدتها وعمقها من شخص لآخر في اتساق مع مبدأ الفروق الفردية المشهور، لكن لا شك أن المعلم المبدع هو من يتمكن من العزف على أوتار هذه الغريزة باحترافية ويملك ما يكفي من القدرة والخبرة لإدارة دفة قيادتها وتوجيهها في المسار الفاعل.
ولكي أفيد قرائي الكرام من أصحاب هذه المهنة العظيمة، ولأن الشائع في مدارسنا هو استخدام الحوافز والمكافآت المحسوسة لإثارة دافعية الطلاب نحو العمل بكفاءة في الصف أقدم اليوم هنا وجبة خفيفة حول هذا الموضوع الحيوي المهم من خلال أبرز استراتيجيات استثارة الفضول للتعلم التي قد تعمل كلها معا أو يستخدم المعلم بعضا منها بحسب الموقف والمحتوى التعليمي، وأولها «سنارة الفضول» وهي تلك المقدمة التي يستهل بها المعلم حديثه ليجذبهم نحوه ويعلق قلوبهم بحديث اليوم لما فيه من المفاجآت أو المتعة أو العلاقة الوثيقة بحياتهم وما إلى ذلك من المعاني التي تأسر القلوب وتشد الأبصار، الاستراتيجية الثانية هي الدعوة للاستكشاف، وسؤال «ماذا يحدث لو؟» فهو يفتح مدارك المتعلمين ويدخلهم مساحة الجرأة في التفكير بدلا من وضعية استقبال المعلومات الجاهزة وتلقيها من المعلم، ثم استراتيجية التناقض المفاهيمي، حيث توجد فرص أحيانا لطرح تناقض ما بين وضعين، ويمثل حلهما أساس موضوع الدرس وقد لا يكون الطالب هو من يحل هذا التناقض ولكن يكفي استثارته ابتداء ثم تقديم الحل له بطرق ذكية ليجعل ذلك من الدرس أكثر متعة وذي معنى متصل بشغف الطالب ورغبته في معرفة ما يمكن أن يصفه هو كأسرار للعلم وحلول هذه الأسرار.
استراتيجية الجو المفتوح للأسئلة هي من ضروريات هذا النموذج التدريسي المتقدم، حيث إن شعور الطلاب بالارتياح في طرح أي نوع من الأسئلة سيزيد من اتصالهم بالموضوع كما أن نقاشاتهم المتكررة سيؤدي إلى زيادة ثقتهم بأنفسهم وبملكتهم العلمية. ثم استراتيجية النموذج، وهي مفيدة في بدايات تطبيق هذا الأسلوب حيث يقدم لهم المعلم نفسه كنموذج للمتعلم الفضولي فيمثل الدور في رحلة الفضول العلمي ويطرح أسئلة مثيرة للفضول ويسير معهم في كيفية إجابته هو عليها، وأخيرا استراتيجية المثيرات المتنوعة وتشمل عنصر المفاجأة أو الدهشة حيث يقدم المعلم ما يثير دهشة المتعلم ويحثه على مزيد من الاستكشاف لمعرفة ما يزيل هذه الدهشة، ثم عنصر الحداثة أي تقديم ما هو جديد كليا على الطالب ليجعله يتعايش مع هذا الشيء ويحاول تفهم أبعاده والانطلاق منه لحل المشكلة أو استكشاف المعلومة التي يريدها، وهناك أيضا عناصر أخرى مثل التناقضات والتنافرات والتركيب وعدم التحديد وهي عناصر تستخدم بحسب توفر الظروف المناسبة لكل منها.
من هذا العرض البسيط يتبدى لكم كيف أن مثل هذا اللون من التدريس ممتع وينطوي على جهد وتمكن كبير من المعلم، ولو أردنا أن نتخيل توافره في كل مدارسنا أو أغلبها فلا بد من توافر تدريب على رأس العمل متميز جدا وقادر على دمج المعلم في هذه الممارسة المهنية المتقدمة، كذلك نتمنى أن تنجح كليات التربية في تقديم مخرجات تعليمية بمستوى هذا الأسلوب المتقدم ليكون معلمو الغد نماذج مشرقة منذ اليوم الأول لهم في المهنة.