د. أحمد محمد الألمعي
أقرت كثير من الحكومات العربية والخليجية أهمية الفحص الطبي للأمراض الوراثية قبل الزواج، وذلك بسبب انتشار الزواج من الأقارب وللتقليل من فرص انتشار أمراض وراثية معينة. ومن الثابت علمياً أن زواج الأقارب يزيد من انتشار الأمراض الوراثية، مثل الأنيميا المنجلية والعيوب الخلقية والتشوهات في أعضاء الجسم وحتى التخلف العقلي والذي يعتبر من أكثر الأمراض النفسية الوراثية انتشاراً في زواج الأقارب حسب الأبحاث العلمية.
وقد حث ديننا الحنيف على التباعد في الزواج، الحديث الصحيح «غربوا في النكاح». وقد ساهمت اجراءات الفحص الطبي بفضل الله في انخفاض شديد في الأمراض الوراثية، برغم استمرار عادة الزواج من الأقارب والتي تنتشر بشكل كبير في المناطق الريفية. والوضع بالنسبة للأمراض النفسية لا يختلف كثيراً عن الأمراض الطبية، فالأمراض النفسية تنتشر في الأقارب ولها أسباب جينية وراثية وتنتقل من جيل إلى آخر، وهو سبب رئيسي لإدراج تاريخ الأسرة النفسي من قبل المختصين ضمن تقييم أي مريض نفسي وخاصة الأطفال. فتاريخ الأسرة النفسي يساعد في تقدير احتمال انتقال المرض النفسي وشدته وطبيعته المزمنة في الأجيال القادمة، على غير الاعتقاد الشائع بأن الأمراض النفسية سببها ضعف في الدين أو الشخصية أو ظروف اجتماعية إلى غير ذلك من الاعتقادات الخاطئة، ولا أود أن اهمل عوامل مثل الضغوط النفسية والبيئية والمخدرات كعوامل مساهمة في الامراض النفسية، فهناك عدة عوامل تتضافر لتسبب مرضا نفسيا شديدا، ولكن العامل الوراثي هو عامل رئيسي في الصورة. وقد سبق لي وتحدثت عن أهمية التقييم النفسي للخادمات كجزء من تقييمهم الطبي، لأن الأمراض النفسية تظهر في كثير من العمالة المنزلية عند التحاقهم بالأسر، ويسبب ذلك الكثير من المشاكل خاصة عندما نأخذ في الاعتبار قيامهم برعاية الأطفال، ولكم أن تتصوروا النتائج الكارثية لهذه الصورة. وقد كثر النقاش بخصوص التقييم النفسي للشاب والفتاة في مجتمعاتنا قبل الزواج كجزء من التقييم الطبي، وهناك الكثير من الجدل حول هذا الموضوع وله المؤيدون لعدة أسباب، منها ان عادات الزواج في مجتمعاتنا المحافظة لا تسمح للزوجين بالاختلاط قبل الزواج كما في الغرب للتعرف على شخصية الطرف الآخر وإذا كان هناك توافق نفسي اولا، وتكون فترة الخطوبة في كثير من الأحيان قصيرة جدا، وهناك عادات في بعض المجتمعات والتي لا تسمح حتى بالرؤية الشرعية قبل الزواج. وقد تكون النتيجة زواجا غير متكافئ تقل فيه فرص النجاح، والدليل على ذلك ارتفاع نسب الطلاق في مجتمعاتنا والتي تقترب من نصف الزيجات في بعض المناطق حسب الإحصائيات الرسمية، وهذ رقم كارثي بكل المقاييس، ولا يشكل قاعدة لبناء مجتمعات صحية. وخلال ثلاثين سنة من ممارستي كطبيب نفسي، رأيت الكثير من الزيجات التي انتهت لأن أحد الزوجين يعاني من مرض نفسي شديد، وقد يرفض العلاج النفسي لسبب أو لآخر، كما رأيت اكثير من الزيجات التي انتهت بسبب الخيانة الزوجية وسلوكيات غير مقبولة أو بسبب الميول المثلية للزوج الذي أقدم على الزواج بسبب الضغوط الاجتماعية والأسرية، بل ورأيت في احدى الحالات شابا تزوج و انتهى به الأمر للطلاق للمرة الثالثة بسبب ميوله المثلية. هناك نصوص في ديننا الحنيف تشجع على اختيار الشريك، الحديث « تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس» وفي حديث آخر: «ثلاث لا تؤخر، وهن الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤًا». وهناك شريحة من المختصين وافراد المجتمع ممن يعتقد بأن التقييم النفسي قبل الزواج يعتبر تعديا على خصوصيات الفرد والمجتمع، وردي على ذلك، أن هناك الكثير من الزيجات والتي يكون نتيجتها المحتومة الانفصال بعد فترة قصيرة بسبب المرض النفسي الشديد لأحد الزوجين، وللأسف لا يتم الافصاح عن وجود مرض نفسي للطرف الآخر قبل الزواج، والنتيجة كارثية اقتصاديا واجتماعيا للطرفين. هناك بعض الدول الإسلامية والتي تفرض على الزوجين قبل إتمام الزواج حضور برنامج تحضيري للزواج، ورأينا ذلك في دولة ماليزيا و التي عانت في الماضي من ارتفاع نسبة الطلاق، وكان لذلك البرنامج أثر ايجابي في انخفاض نسبة الطلاق. فهل هناك أهمية للتوافق النفسي قبل الزواج ؟ أعتقد أن الرد واضح خاصة في زمننا هذا والذي ارتفعت فيه نسبة الطلاق بشكل كبير، فالتكافؤ في نواحٍ عديدة مهم للسعادة الزوجية واستمرار الزواج الصحي و تنشئة جيل من الأطفال ينعمون بصحة واستقرار نفسي لبناء مجتمعات صحية سعيدة ومنتجة، ويندرج هذا تحت رؤية المملكة 2030 لبناء مستقبل هذ الوطن العظيم. وللتحديد فأنا اقترح فحص لاستعمال المخدرات بالاضافة إلى فحوص نفسية للشخصية للزوجين قبل الزواج، والتي تعطي صورة جيدة عن شخصية كل من الزوج والزوجة، ويمكن أن يتم إتمام هذه الفحوص عن طريق مختصين نفسيين ومثال على هذه الاختبارات للشخصية
(MMPI; Minnesota Multi phasic personality inventory)
وهناك الكثير من الاختبارات المماثلة التي لا تستغرق الوقت الكثير وقد تكون عاملا مساعدا للطرفين في قرار الزواج وبداية حياة سعيدة مستقرة بإذن الله. من المهم ان لا تكون هناك اي تبعات قانونية لهذه الفحوص حتى لا تأتي بنتيجة عكسية وتكون النتائج سرية. نعم سيكون هناك بعض المشاكل في التطبيق وبعض المضاعفات الاجتماعية ولكن هذه الفحوص قد تؤدي إلى تلافي الكثير من الكوارث وبناء مجتمع صحي.