عطية محمد عطية عقيلان
توفيق الحكيم من أشهر الأدباء المعاصرين الذي حكى عن علاقة خاصة له مع الحمير، وألف روايات ومسرحيات تتناول ذلك مثل «حمار الحكيم، والحمير، والحمار قال لي والحمار يفكر» بأسلوب بسيط وسهل، ومن خلاله ينتقد ويسقط على ظواهر وعادات وسلوكيات سيئة في المجتمع ويدعو إلى محاربتها وتغييرها، وكان ينقل ما يدور وهو يتحدث مع حماره بأسلوب ساخر، ومن أمثلة هذه الحوارات، يقول الحكيم: قال لي حماري ذات يوم: ألم تفكر في مستقبلي، لقد عشت معك حتى الآن عارياً لا سرج من ذهب ولا بردعة مرصعة، هذا ما يشغل اليوم كل إنسان، إن الناس كلها من حولنا تفكر في الذهب وتعيش للذهب وتتنفس بالذهب، ولا أجد عندك سوى كلمات! وهنا يعنفه الحكيم قائلاً: أنا لا أطيق أحداً يحقر الأفكار والكلمات! إن الكلمات هي التي شيدت العالم... إلخ.
كما يروي الكثير عن مواقف وقصص تحدث بينه وبين حماره وتحمل أوجهاً مختلفة عن وصف ونقد الواقع وتخيل المواقف، وأطلق عليه لقب «الفيلسوف»، كذلك من أشهر القصص التي تروى عن جحا هي علاقته وحكاياته مع حماره واستخدامه في الرد على المستهزئين به، ومنها قصته الشهيرة عندما قال له أحد المارة: لقد عرفتك يا جحا بحمارك، ليرد عليه بسخرية الحمير تعرف بعضها البعض.
ومن الطرائف ما قام به زكي طليمات عام 1930م عندما أغلقت نقابة الفنانين من الإنجليز، فأسس «جمعية الحمير» والتي ضمت في عضويتها طه حسين وعباس العقاد والعديد من الأدباء والفنانين وهي تمرد على واقع الحال، ورفض لما كان يقوم به المحتل البريطاني في مصر ولكن بأسلوب ساخر وكأنها جمعية تهتم بالحمير.
طبعا علاقة الإنسان بالحمير علاقة قديمة بها عدة جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية، فكان الحمار وسيلة تنقل ونقل المحصولات دون كلل وتعب، واستخدم في الحروب ونقل الأسلحة، كما يعتبر أفضل حيوان يستخدم في سلك الطرق الوعرة وأسهلها للتنقل لذا استخدم في رسم الطرق الجبلية بتخطيطها على الدرب الذي يسلكه، وقد استخدمه المقاول في رسم طريق الهدا بالطائف، حيث وضع على الحمار كيساً مشقوقاً من الأسمنت وتبع العمال بمكائنهم المتطورة بناء الطريق خلف الدرب الذي يسلكه لأنه أكثر الطرق سهولة في التنفيذ، كذلك يتم عمل عدة منتجات لاستخدامات مختلفة من لبن الحمير كالصابون والكريم والأجبان والحليب وبأسعار أكثر من باقي الحيوانات، بل تنقل الأساطير أن سبب جمال كليوباترا استحمامها بحليب الحمير، ومهما كان موقفنا ونظرتنا إلى الحمار إلا أنه من أكثر الحيوانات المستأنسة والأليفة التي تؤدي مهامها المطلوبة بحذافيرها دون كلل أو تعب أو شكوى مع تميزه بقلة في الأكل، كذلك لا يحتاج إلى ترويض وتعب لركوبه فقط مسايسته، وكما يقول المثل: «كبر راس الحمار بقولة هش» فهو غير متطلب حتى في طريقة التعامل، وللعلم يوجد يوم عالمي للحمار يصادف 8 مايو من كل عام للدفاع عنه والدعوة إلى الاهتمام به والحفاظ عليه، وأيضاً يستخدمه الحزب الديمقراطي الأمريكي شعارًا له ويسمى «الحمار الديمقراطي»، كما قام فرانسوا ميتران بعد تركه الرئاسة الفرنسية، بترؤس جمعية الحمير من باب المناكفة السياسية.
لذا عزيزي القارئ خفف من حدة نقمتك وسوء فهمك على الحمار فمواصفاته وخدماته كثيرة وشكواه قليلة، فهو يلقب بأبوصابر، ولا تقارنه بالخيول التي تحتاج إلى رعاية واهتمام ودلال لكي تمتطيها عكس «صاحبنا» الأليف، ورغم كل ما قدمه الحمار للإنسان من خدمات دون كلل أو تعب إلا أننا نزعل إذا لقبنا به أو شبه به «رغم أنه يقال هذا حمار مكدة» كناية عن من يعمل بكثرة، والمفارقة العجيبة أننا نفرح اذا لقبنا بالذيب أو الأسد، رغم صفاتهما السيئة وغدرهما وقلة وفائهما وأذيتهما للإنسان، ولكن الحمار ينطبق عليه المثل «مأكول مذموم»، فلنتعلم من الحمار الصبر والعطاء والعمل الجاد بعيدًا عن انتظار الشكر والوفاء من الآخرين، وكما يقال في المثل «فلان خوي درب.. كد ومد كنه حمار حساوي» ولنتحلى بالروح الرياضية فالمقالة للمتعة والسخرية ورسم ابتسامة للقارئ وتريح الدماغ بعيدًا عن الكلام الجاد.