صبار عابر العنزي
العفة هي خلق إيماني رفيع للمؤمن، وثمرة من ثمار الإيمان بالله، تجعل من الإنسان متجردًا من شهواته وهفواته وتدعوه إلى البعد عن سفاسف الأمور وخدش المروءة والحياء، إنها لذة وانتصار على النفس والشهوات, يرتقي بها الفرد إلى مصاف الملائكة أو الأطهار، يحفظ جوارحه ويغض بصره ويحفظ فرجه ويطيب مطعمه من حلال، ولا ينطق إلا بالكلم الطيب وكأنه إنسان مختلف إنسان نوراني يشع بالإيمان والصلاح..
العفة تعني إقامة العفاف والنزاهة والطهارة في النفوس، وغرس الفضائل والمحاسن في المجتمعات وهي تنزيه النفس وضبطُها عن الانسياق وراء الشهوات، والكفّ عن المحرماتِ وسؤال الناس على وجه الاستجداء..
هي كلمة تشنّف بها الأسماع وتأنس بها الأرواح المؤمنة، وباب في الدّنيا يوصل إلى الجنّة؛ يدخل منه كلّ عبد مؤمن جعل شعاراً له «معاذ الله إنّه ربّي» لمواجهة كلّ فتنة تعرض له أمام كلّ صورة محرّمة تلمحها عينه وفي مقابل كلّ دعوة تحرّضه على مقارفة الحرام..
إن العبد المؤمن لا تفتّ من عزيمته كثرة الشّهوات، ولا تغريه كثرة الواقعين في المحرّمات.. لأنّه يعلم أنّ عاقبة اتّباع الهوى والانغماس في الشّهوات حسرة وندامة وضيق في الرّزق وسواد في الوجه وذهاب للبركة من العمر والمال، ويعلم أنّ لذّة العفاف ومتعة غضّ البصر وتحصين الفرج، لا تعدلها لذّة أخرى في هذه الدّنيا..
ما أعزّ الشابّ العفيف في الدّنيا بأنّه ألجم نفسه وأعزّها ولم يهنها باللّهث خلف شهواتها وما أسعده يوم القيامة يوم يسأل عن شبابه فيما أبلاه، فيجيب بملء فيه أنّه أبلى شبابه في الصّلاة وتلاوة القرآن وغضّ البصر وتحصين الفرج، وينظر في صحيفته فيجد قناطير مقنطرة من الحسنات كسبها من غضّ بصره وتحصين فرجه وصبره عن الحرام في زمن تتدفّق فيه الشّهوات من كلّ حدب صوب..
العبد المؤمن يعلم أنّ الصّبر على العفاف وغضّ البصر هو لسنوات معدودة في هذه الدنيا، تمضي سريعاً، ليكون الجزاء الأوفى عند الله.. {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}، وسبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: وشابٌ نشأ في عبادة الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين..
ربما الزّمان أصبح صعباً والفتن كثيرة، لكنّ الجنّة تستحقّ المجاهدة والمصابرة.. وجنّة العفاف ليست كلّها مؤجّلة في الآخرة، فمنها ما هو معجّل في الدّنيا؛ سلامة في البدن ونور في القلب وانشراح في الصّدر وعزّة في النّفس ومحبّة في قلوب الخلق، وبركة في المال والوقت والعمر، وظفر بالزّوجة الصّالحة ورزق هنيء من الذرية الصّالحة..
تحري العفاف، يباعد بينك وبين خطوات الشّيطان، ولا تخضع للإغراءات، ولا تنظر إلى فساد الواقع، بل انظر إلى الزّرع الذي تريد حصاده في الدّنيا والآخرة.. من عفّ عن الحرام أسعده الله بالحلال، وحفظه في نفسه وأهله وأبنائه وبناته مستقبلاً، ومن لها وعبث، عوقب بالشّكوك والهواجس..
أكثروا من الدّعاء أن يثبّت الله قدميك ويعصمك من الفتن ويرزقك الهدى والتقى والعفاف والغنى، هذه الكلمات التي كان كثيرا ما يدعو بها رسولنا صلّى الله عليه وسلّم، فيقول: «للهمّ إنّي أسألك الهدى والتّقَى، والعفاف والغنى» (رواه مسلم)..
قال الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه «العفة رأس كل خير» فالعفاف يحفظ النفس والعرض عن الرذائل والمعاصي وثمرة العفة العزة والرفعة والكرامة وسلامة المجتمع ومدعاه لحصانة الشباب من كلا الجنسين من الاضطرابات النفسية والروحية والعقلية والفساد والتشرد والانفلات ونشر الميوعة, ويحول دون الانحطاط المجتمع أخلاقيا وقال رضي الله عنه «من عف خف وزره وعظم عند الله قدره»..