عمر إبراهيم الرشيد
كنا فيما مضى من سالف الأعوام ننتقد من يخلط كلامه مع الناس بألفاظ أجنبية ليظهر أنه ممن درس في جامعات الغرب وأمريكا، وأنه بهذا يتفوق على مستمعيه، وهذا شعور بالنقص واعتقاد بأن مجرد نطق بعض العبارات والألفاظ الأجنبية كفيل برفع مكانته بين الناس، مع أنه يعذر حديثو التخرج في تلك العادة لاعتبار قلة الخبرة والحنكة الاجتماعية، إنما ينتقد من يستمر فيها حتى مع النضج المهني والاجتماعي.
وتوالت السنون وها نحن نسمع ونشاهد في المجالس أو عبر وسائل الإعلام سواء الرسمي أو الاجتماعي من لم يدرس في الخارج وأنصاف المتعلمين ومع ذلك يلوكون ألسنتهم بكلمات وعبارات إنجليزية. وأما الإعلام ففي القنوات التجارية ما يبعث على الغثيان والاشمئزاز من ذلك التصنع والتشدق اللغوي، بزعم أن هذا من علامات التمدن والتطور، وهذا والله على العكس تماماً لأنه علامة تخلف وشعور بالدونية وتراجع حضاري. وليت الأمر اقتصر على تلك الدكاكين الإعلامية، إنما امتد هذا الداء حتى إلى بعض الإعلاميين في القنوات الرسمية بكل أسف، ومرد هذا في تقديري إلى الاستغناء عن كبار المذيعين وقدامى المعدين والمخرجين من ذوي الرصيد الثقافي والمهني واللغوي، لكي يكونوا بجانب أولئك الجدد، فيفيدونهم ويقومون لغتهم وتنتقل الخبرات من جيل إلى جيل، ولكن وبكل أسف تعاملت هيئة الإعلام المرئي والمسموع مع المذيعين كموظفين يحالون على التقاعد مع بلوغ السن القانونية لذلك، ناسين أو متناسين أن العمل الإذاعي والإعلامي يتألق فيه الكبار عاماً بعد عام وليس له سن ينتهي فيها ذاك التألق.
في خطوة جميلة ذكرتنا بما قلته في المقدمة، وأشعرتنا بالاعتزاز بانتمائنا لهذه اللغة العظيمة، ألقت وزيرة خارجية النمسا كارين كنايسل كلمتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أقل من شهر باللغة العربية، وبمحض اختيارها إعجاباً وعشقاً لهذه اللغة الخالدة، فحظيت بتصفيق الوفود العربية وبتناقل وسائل الإعلام لتلك الكلمة وإعجاب أبناء العربية الأوفياء بها. وللأمانة، كنت قد كتبت هنا عن إعجابي وإكباري لخطوة وزارة الرياضة في كتابة أسماء لاعبي كرة القدم في الدوري باللغة العربية، دعماً وتعزيزاً لمبادرة وزارة الثقافة مشكورة في اعتبار هذا العام عاماً للخط العربي، فللوزارتين كامل التقدير والعرفان لأن ذلك من الوفاء للغة العربية. وهذا نداء إلى وزارة الإعلام لإعادة وإحياء الاهتمام السابق بلغتنا والتشديد على المذيعين ومقدمي البرامج باحترام اللغة العربية وترك (الرطن) خارج غرف البث، حفاظا على الهوية الحضارية واللغوية. كما أنه نداء بإعادة أو الاستعانة بكبار المذيعين الذين تم الاستغناء عنهم أو هم رحلوا لقلة الحوافز المادية والمعنوية، ليعودوا كخبراء فيفيدوا الجيل الجديد من المذيعين والمذيعات مهنياً ولغوياً، إلى اللقاء.