د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
كما أن هناك علاقة عكسية ما بين توطين الوظائف والبطالة، كذلك هناك علاقة عكسية ما بين توطين المهارة وضعف المهارة، فتوطين الوظائف ليس كل شيء، إذ يجب العمل في مسار مواز على توليد الوظائف الجديدة، عبر احتضان التغيير والانخراط في أنساق اقتصادية جديدة، وهي أيضا بحاجة إلى توطين مهارات قادرة على قيادة المرحلة الجديدة في إنهاء عقود من الاعتماد الكلي على العمالة الوافدة التي تعتمد على مهارات منخفضة لن تدخل السعودية ضمن الدول المتقدمة.
إطلاق برنامج تنمية القدرات البشرية من قبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد باعتبار أنها أحد أهم أهداف برامج رؤية المملكة 2030 من أجل نقل مفهوم المنافسة العالمية من حيز الحلم إلى حيز التنفيذ، تستهدف دخول جامعتين من أفضل 100 جامعة عالمية بحلول 2030، إلى جانب جامعات أخرى في تصنيفات أقل، مما يتطلب مراجعة التخصصات الدراسية، وتطوير الحوكمة في مؤسسات التعليم العالي، وجعل التعليم التقني ركيزة أساسية في مستقبل التعليم والتنمية، بجانب الاهتمام بشراكات البحث والابتكار، من أجل أن تصبح السعودية وجهة جاذبة للطلاب والباحثين عالميا، الذي يتزامن مع رفع جودة العلمية والتعليمية التي تهتم بمخرجات البحث والابتكار مع التركيز على تبادل الطلاب الدوليين، خصوصا في مجال الدراسات العليا حتى لا تعتمد السعودية على مواصلة الابتعاث الواسع، بل تتجه نحو توسيع دائرة استفادة جميع الطلاب عبر مرحلة الاستعانة بتبادل الأساتذة الزائرين الدوليين البارزين والمتميزين، وأصحاب البراءات العلمية والتقنية والاكتشافات، لرفد الجامعات السعودية بمهارات رقمية وسيبرانية تتواءم مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة.
ومن أجل تحقيق هذه الرؤية لابد من التقاء سوق العمل بمخرجات التعليم التي كانت تتحمل الدولة نفقات كبيرة عند تأهيل مخرجات التعليم، بسبب أن بيئة التعليم العالي مطلوب منعا أن تستوعب كافة خريجي التعليم العام، مما ينعكس على المخرجات النهائية، والتي في الأغلب لا تتوافق مع حاجات سوق العمل، بينما الرؤية الجديدة أن يتحصل 80 في المائة من الخريجين على وظيفة خلال 12 شهرا، بالإضافة إلى رفع نسبة التوطين بحلول عام 2030 في الوظائف عالية المهارة بنسبة لا تقل عن 40 في المائة.
كما أن رؤية المملكة تتجه نحو رفع نسبة 50 في المائة من الموظفين السعوديين الذين يقعون ضمن فئة الرواتب المتدنية، عبر تنفيذ 89 مبادرة ابتداء من الطفولة المبكرة لرفع جانب النوعي، والتركيز على مهارات أساسية ومستقبلية بما يحقق تكامل الجهود وتعظيم الأثر في تأهيل المواطن لسوق عمل متطور.
توجه تنمية القدرات البشرية لضمان الجاهزية للمستقبل من خلال القدرة على سد احتياجات سوق العمل المتغيرة، حيث هناك نيوم المنفردة والمتميزة عن مدن العالم الذكية، وهناك استعداد السعودية لتكون وجهة سياحية عالمية لجذب نحو 100 مليون سائح عالمي ما يعني أنها ستنافس دول عالمية لها السبق في السياحة العالمية، وهناك تركيز عال نحو تحقيق صناعات متحولة متقدمة ودقيقة تشمل الصناعات العسكرية بما فيها الطائرات المسيرة والصواريخ وبقية الأسلحة المتقدمة التي تحتاج إلى مهارات عالية جدا، كما أن السعودية تتمتع بموقع لوجيستي حيوي وفريد من نوعه يصل شرق العالم بغربه.
يعتمد تنمية القدرات البشرية على العنصر البشري لقيادة التنمية المستدامة، وسيمثل الموهوبين من الطلاب والطالبات ثروة وطنية مستدامة، لذلك ستكون هناك برامج تعمل على دعم التوسع في اكتشافهم في المجالات المختلفة، خاصة في المجالات ذات الأولوية.
يبلغ معدل التوطين في القطاع الخاص السعودي بنهاية الربع الثالث من 2020 نحو 23.8 في المائة، حيث يبلغ عدد العمالة السعودية 2.03 مليون مشتغل من إجمالي 8.5 مليون مشتغل في القطاع الخاص، فيما عدد المشتغلين في القطاع الحكومي 1.27 مليون نهاية عام 2019، نسبة السعوديين 96.3 في المائة، ومتوسط رواتب السعوديين في القطاع الحكومي انخفضت في الربع الثاني 2020 إلى 9970، بينما متوسط أجر الوافدين في القطاع الحكومي نحو 4136، فيما متوسط رواتب السعوديين في القطاع الخاص في النصف الأول 2021 نحو 6838 ريالا شهريا للذكور، ونحو 4476 ريالا للإناث، فيما متوسط رواتب الوافدين في القطاع الخاص في 2020 نحو 4136 ريال، وتحملت الدولة 55 في المائة من إجمالي نفقات الميزانية خلال الربع الأول من 2020 بنحو 124.53 مليار ريال.
لم تعد السعودية تهتم فقط بمسألة تبديد البطالة وتوفير الوظائف، بل تتجه نحو تخفيف أعباء تحمل الدولة إنفاق 55 في المائة من ميزانيتها على الرواتب، لذلك هي تحرص على أن يتحمل القطاع الخاص تلك المسؤولية، وبإنتاجية وجودة واستدامة أعلى من أجل أن تتفرغ الدولة في الإشراف على إدارة الدولة في جميع المجالات وبشكل خاص في الجوانب الأمنية والتشريعية والدبلوماسية.
فتحتاج الدولة في هذه المرحلة التركيز على تنمية المهارات البشرية المتميزة والقادرة على قيادة المرحلة المقبلة، وفي نفس الوقت تعالج تلقائيا أزمة انخفاض الرواتب لدى السعوديين في القطاع الخاص التي تصل نسبتهم إلى 50 في المائة من إجمالي العاملين من السعوديين في القطاع الخاص، ولا يمكن رفع تلك الرواتب إلا بالحصول على مهارات تعليمية عالية.
** **
- أستاذ بجامعة أم القرى بمكة