خالد بن حمد المالك
كتب غيري وكتبت عن صحافتنا الورقية، وامتداداً عن الصحافة الرقمية، وقبل ذلك وبعده عن المؤسسات الصحفية، لإنقاذها بالدعم والمساندة (مادياً ومعنوياً) ضمن التوجه نحو تحولها لاحقًا إلى صحافة رقمية، أو الجمع بين الحسنيين صحافة ورقية وصحافة رقمية تحت مظلة المؤسسات الصحفية، شاملة تطوير مواقع الصحف الإلكترونية، وإيجاد منصات لنشاطات رقمية متخصصة، ولم يجد ما كتبناه ما يكفي لتحريك الساكن أو إيقاف المتحرك لدعم الصحف كما تفعل كل دول العالم.
* *
وليس عندي من جديد، فقد أشبعنا هذا الموضوع حقه من النقاش بحس وطني غيور، وخوف من أن نجد بلادنا ذات يوم قريب، بلا صحافة، وبلا مؤسسات صحفية ملتزمة بثوابت البلاد، إذ لا زلنا نحوم حول اكتشاف خارطة طريق لإنقاذ المؤسسات الصحفية من الانهيار، فيما تنشط (مواقف) بعض من كتبوا يطالبون بعدم الاستجابة لأي تصور أو مقترح يمكن أن يبقي هذه المؤسسات فاعلة ومؤثِّرة في الدفاع عن الوطن، ونقل سياساته إلى العالم.
* *
وما أكتبه اليوم، إنما هو صدى لكلام مؤثِّر تحدث به الوزير الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله- عندما كان وزيراً للصناعة والكهرباء لصحيفة الجزيرة منذ أربعين عاماً، وتحديداً بتاريخ 11-2-1401هـ الموافق 1-1-1981م عن الصحافة السعودية، وكأنه يرد به على من يتسابقون اليوم للدعوة إلى التخلص من الصحف ومن تاريخها المشرق، مثلما كان يرد به آنذاك على آراء سلبية كانت تُقال عن غير علم، ودون سبب إلا لأن هذه الآراء تصدر عن أناس قدراتهم ومواهبهم وتجاربهم الصحفية لم تسعفهم ليكونوا شركاء في هذا التاريخ الصحفي البهي في بلادنا.
* *
يقول د. غازي بالنص (لقد خطت الصحافة المحلية خطوات رائدة أنا فخور بها، ولا أجامل بهذا الكلام أحداً، وأعتقد أن الصحافة السعودية تمثِّل المرتبة الثالثة في العالم العربي، وهي بالتأكيد أفضل من معظم الصحف العربية التي لا تتجاوز كونها نشرات رسمية، بينما الصحافة عندنا تمتلك عناصر للتشويق، والإمتاع، والنقد، وأنا أقرأ جميع الصحف السعودية وما يكتب فيها يوميًا).
* *
ويضيف الدكتور غازي القصيبي (أطالب بأن يكون للصحفيين رابطة، وضمانات معينة لضمان مستقبلهم، وأن يوجد لهم ناد، أي أنه طالب برابطة للصحفيين قبل إنشاء هيئة الصحفيين السعوديين بأكثر من عشرين عامًا، ونادى بدعم من يمارسون المهنة الصحفية في وقت مبكر، بينما هناك من كان يكتب للحيلولة دون أي موقف إيجابي لصالح الصحفيين منذ ذلك الحين وإلى اليوم.
* *
بل ويأتي الآن من يقول دعوا صحافتنا تموت، بينما كان هناك ومنذ أربعين عامًا -وأعني بذلك غازي القصيبي- من قال خلاف ذلك، وبينما كانت الأصوات المبحوحة آنذاك تتحدث عن ضعف الصحف، وعن تكرار موادها وتشابهها، وعلى أن صحفنا نسخة مكررة من بعضها بأخبارها وموضوعاتها، وأن الأولى -برأيهم- أن يقلّل عدد ما يصدر من صحف، وأن يكتفى بعدد محدود من الصفحات فيها، وهو نفس الرأي يتكرر الآن، ولكن بضرب الصحف الورقية بما يُقال عن الصحافة الرقمية التي لا زالت في بداياتها ولم يستطع أغلبها حتى الآن تغطية حتى تكاليف تشغيلها المتواضعة، سواء الصحافة الرقمية في المؤسسات الصحفية أو خارجها.
* *
نحن لم ولن نفقد الأمل، من أن دعم المؤسسات الصحفية قادم، فالملك سلمان والأمير محمد -حفظهما الله- لن يقبلا أبدًا أن تموت صحافتنا، وأن يتم التفريط بمؤسساتنا الصحفية بعد ستين عامًا من النجاح المشهود، أو أن يختفي الكتَّاب والصحفيون من المشهد الإعلامي في ظل أزمة صحفية عالمية لم تنج منها دولة واحدة في العالم، ومع هذا بقيت الصحافة الورقية في كل الدول تواصل صدورها إلى جانب منتوجاتها الرقمية الأخرى.
* *
كما أن وزير الإعلام المكلَّف الدكتور ماجد القصيبي منذ تسلّمه حقيبة وزارة الإعلام وهو يتعامل مع أزمة المؤسسات الصحفية بكثير من الاهتمام، كونه سليل أب صحفي بارز في الممارسة والتخصص في بدايات نشوء الصحافة في المملكة، ما يعني أن الابن شرب من كأس والده عن الصحافة، وارتوى من ثقافته الصحفية، ولا يزال يتبنى فكره وتوجهه الصحفي بالقول والعمل، وفيًا لما غرسه فيه - رحمه الله - عن الصحافة، مواصلاً هذه المسيرة وذات المشوار بحكم موقعه ومسؤوليته في وزارة الإعلام، متجنبًا أن يُقال في فترة توليه وزارة الإعلام: لقد فات الأوان، ولم يعد بالإمكان أكثر مما كان.