اهتم الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بالدرعية، وكان يعلم أهمية هذه المدينة التاريخية لكونها العاصمة الأولى للدولة السعودية وبوصفها أساساً للدولة، وقد كان يزورها ويمرّ بها كلما سنحت له الفرصة، فقد سكن أجداده الأئمة والأمراء بها، وكانت البداية منها حينما أسسها جده الأعلى مانع المريدي قبل نحو 600 عام، وكانت بداية الدولة منها حينما أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ/ 1727م.
يقول الملك عبدالعزيز في إحدى خطبه: «أنا عربي ومن خيار الأسر العربية، ولست متطفلاً على الرئاسة والملك». وفي هذه المقولة شدَّد الملك عبدالعزيز على العمق التاريخي للأسرة السعودية المالكة وعراقة الحكم في الأسرة التي انطلقت جذوة حكمها من الدرعية.
بدأ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مسيرة وحدة الدولة وبنائها بخطى ثابتة وحثيثة، واستطاع في مدة قياسية استعادة وتوحيد أجزاء واسعة من أراضي الدولتين الأولى والثانية. وفي العام 1343هـ استطاعت جيوش الدولة دخول الطائف، ثم مكة المكرمة بملابس الإحرام مهلِّلين مكبِّرين، وذلك بعد انسحاب حكومة الشريف علي بن الحسين وبقاء مكة دون سلطة تديرها.
رأى الملك عبدالعزيز ضرورة التحرُّك باتجاه مكة ليشرف على كل الأمور بنفسه ويدير المنطقة التي كانت تحت حكم الدولة السعودية في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد وابنه الإمام سعود بن عبدالعزيز (الكبير). بدأت ترتيبات المسير، وكان هناك طريقان للخروج من الرياض باتجاه مكة الأول عبر المغرزات والجبيلة فالعيينة، والثاني عبر وادي حنيفة إلى الجبيلة والعيينة، ولكن الملك عبدالعزيز في هذه الرحلة اختار الطريق الثاني وذلك من أجل أن يتوقف في الدرعية العاصمة الأولى للدولة السعودية. لم يكن توقف الملك عبدالعزيز في الدرعية مصادفة أو دون هدف؛ فعلى الرغم من أنها كانت محطة توقف على الطريق لقاصدي الحج، فإن الملك عبدالعزيز توقف في الدرعية لهدف رئيس.
يقول يوسف ياسين في روايته لرحلة الملك عبدالعزيز التي أطلق عليها «الرحلة الملكية»: «ركب الملك سيارته وركب معه بعض رجال حاشيته وركب الباقون في السيارات الثلاث الأخرى، وفيهم نجلاه الأمير سعود والأمير فيصل وبعض أبنائه الصغار. سارت السيارات في طريق معبَّد وقد رفعت الحجارة من وسطه لمرور السيارات خاصة، وعلمنا أن الطريق معبد للسيارات على الشكل الذي بدا لنا إلى القصيم. وبعد ساعة من سيرنا وصلنا الدرعية، وإذا فيها قصور خربة، ولكنها في وادٍ مَريع كثير المياه والعشب، وفيها شجر النخيل، وكانت من قبل عامرةً بأهلها، وقد هجروها منذ أخذ الترك وأعوانهم يسطون عليها المرة بعد المرة، ويسعون في خرابها، وهي تبعد عن الرياض على المطايا أربع ساعات». كانت زيارة الملك عبدالعزيز مصطحباً أبناءه للدرعية وتوقفه فيها ذات دلالات ورسائل مهمة؛ فقد أراد التأكيد على العمق التاريخي لأسرته ودولته، وعلى أهمية مدينة الدرعية تاريخياً كعاصمة أولى للدولة السعودية، وليؤكد كذلك أن بدايات الوحدة السعودية بدأت منها، وليعرّف أبناءه تاريخ آبائهم وأجدادهم، وليزور قبور أجداده -رحمهم الله- للسلام عليهم، وليستحضر في ذلك الموقف المهيب أنه استطاع -بحمد الله وتوفيقه- استعادة مكة المكرمة وإدخالها ضمن حدود الدولة، ليعيد إليها سيرة الحكم والإدارة والأمن والأمان التي عرفها الناس في عهد أئمة الدولة السعودية الأولى. كما أن هذه الزيارة أعطت انطباعاً عن اهتمام الملك عبدالعزيز بالدرعية، وأن في اختياره المرور بها دلالة على هذا الاهتمام، ومنها تعبيد الطريق الذي يمر بها.
في الوقت ذاته، ومن جانب اهتمامه بالدرعية أنه كان يحرص على إرسال الرحالة الأجانب وضيوف الدولة لزيارة الدرعية لمشاهدة آثارها وعظمتها وليعرفوا ويفهموا رسوخ هذه الدولة وعمقها التاريخي وليعلموا قصة هذه المدينة العظيمة وصمودها وشموخها.
ارتكزت رؤية المملكة 2030 على ركائز مهمة؛ منها العمق التاريخي للمملكة العربية السعودية، وكان من أبرز مشروعاتها الكبرى مشروع بوابة الدرعية الذي يعدّ من أعظم المشروعات الثقافية في العالم، هذا الاهتمام هو امتداد لاهتمام مستمرّ منذ عهد الإمام محمد بن سعود، مروراً بالملك عبدالعزيز وأبنائه الملوك البررة، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- الذي أولى الدرعية اهتماماً خاصاً منذ إنشاء اللجنة التنفيذية العليا لتطوير الدرعية، وصولاً إلى إنشاء هيئة تطوير بوابة الدرعية التي يرأس مجلس إدارتها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الذي جعل الدرعية مآلة الدنيا وشاغلة الناس وجعلها بوابة المملكة للعالم.