سعدت مساء ليلة الأربعاء 22 صفر 1443هـ بحضور حفل تقديم وتوقيع كتاب الأخ العزيز والكاتب الأستاذ بندر بن عبدالرحمن بن معمر الذي حمل في عنوانه الأكبر اسم (الرؤية وما أدراك..) وفي عنوانه الفرعي سياقات الزمن السعودي من تحولات الطفرة إلى فضاءات الرؤية والصادر عن النادي الأدبي الثقافي بالطائف تزامناً مع احتفالات المملكة بيومها الوطني (91)، حيث أثبت النادي فعلاً لا قولاً بأنه لا يعرف التثاؤب أبداً في تنفيذ رسالته وتحقيق أهدافه من خلال أنشطته وفعالياته المتنوّعة والمستمرة واهتمامه الكبير برصد ودعم نتاج الأدباء والمبدعين من أبناء عروس المصايف الطائف المأنوس.
ولعل مكمن سعادتي بمثل هذا الاحتفال يتمثّل في عدة جوانب لعل في مقدمتها التعرّف وعن قرب على الكاتب الذي لم التقيه من قبل رغم اهتمامه بي وسؤاله عن شخصي ومتابعته لنتاجي ومؤلفاتي ومبادرته هو للتعرّف علي قبل أن أسعى إليه وهذا أمر يحسب لشخصه الكريم وطيب خلقه وصفاء معدنه، إلى جانب مسمى الكتاب الذي حرضني في شغف للتعرّف على ما جاء به من طرح وعلاقته برؤية المملكة 2030 التي ومنذ إعلانها كثر الجدل حولها ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها وما ترمي إليه؟ وما الجديد الذي سيقدمه المؤلف عن هذه الرؤية؟ إضافة للالتقاء برفقاء الدرب والمسيرة من الزملاء والأصدقاء في نادي الطائف الأدبي الثقافي بعيداً عن أجواء جدة الأهبة والاستمتاع بشيء من أجواء الطائف الآسرة.
وبقراءة سريعة وإطلالة موجزة لأكثر من (540) صفحة من حجم الورق وفي أربعة فصول رئيسية وعشرات العناوين الفرعية حلق بنا المؤلف بندر المعمر في مواضيع شتى كانت حصاد السنين فيما كان يكتبه من مقالات بجريدة الشرق الأوسط وغيرها ونفيه بأن يشكل المحتوى دراسة علمية متخصصة، بل عبارة عن مجموعة من القراءات والتحليلات والملاحظات والرؤى الشخصية لرصد جوانب من تاريخ الوطن إلا أنه حاول أن يعود بذاكرتنا للوراء وللماضي وللتحولات والأحداث المفصلية في مسيرة الوطن ويمتحن قدرتها في التذكر ويزاوج بينها وبين معطيات الحاضر في ربط جميل وعرض مشوِّق وطرح هادئ معتدل وبأسلوب لفظي سهل وتدفق في غير إسهاب ممل ولا تطويل مخل مع عمق في الفكرة والمفهوم وبراعة في نبش ما بين السطور ووقوفه عند الكثير من النقاط وتصحيح بعض المفاهيم وإحالتنا للعديد من التساؤلات المهمة ليضيف لنا المزيد من المعلومات التاريخية والإضاءات المعرفية المفيدة.
وقد بدأ المؤلف كتابه بتمهيد ومدخل ثم تحدث في الفصل الأول عن ثنائية الطفرة والصحوة وإفرازاتها وآثارها السلبية والإيجابية وما نتج عنها من أزمات وظواهر وسلوكيات لينتقل للفصل الثاني ويعرض مكامن القوة السعودية وإدارتها والأساليب التي انتهجتها لمواجهة ما مر بها من أزمات وتحديات، فيما خصص الفصل الثالث للحديث عن الأمة السعودية من جيل التأسيس إلى جيل الرؤية إلى جانب إلقاء المؤلف الأضواء على نماذج لعدد من الشخصيات والرموز الوطنية وفاءً لهم وتقديراً لما قدّموه من مساهمات في بناء وخدمة كيان المملكة العربية السعودية، ثم يتناول في الفصل الرابع الأخير الرؤية الحديثة للمملكة 2030 وما جاء في وثيقتها من برامج وخطط وأهداف وأهم متطلبات نجاحها.
وبإجمال سريع فإن المؤلف يدعو من خلال هذا الكتاب القيم أبناء الجيل إلى تجاوز عهد الشكوى والتذمر وجلد الذات وما استشرى في نفوس البعض من إحباطات وتشاؤم وضبابية حول المستقبل واستثارة الهمم نحو غد أكثر إشراقاً ورخاءً ورسوخاً وتألقاً، والنظر بعقل وروية وصدق وأمانة لما تحقق للوطن وطوال مراحل مسيرته المظفرة من إنجازات ونهضة شاملة وقفزات تنموية هائلة، وليؤكد على قضية مهمة وجوهرية في أن هذه البلاد ومنذ انطلاقها في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -غفر الله له - وعهد أبنائه الملوك من بعده إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك الحزم والعزم ومهندس الرؤية الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله - تسير وفق رؤية واضحة وأهداف مرسومة وإن رؤية المملكة الطموحة 2030 وإن جاءت كخطة اقتصادية طموحة إلا أنها امتداد تاريخي لهذه المسيرة وأنها بمثابة عقد اجتماعي جديد يفضي إلى مشروع نهضوي كبير يساير لغة العصر الحديث ومتطلباته وتحولاته.
وفي الختام بقي أن أقول إن قراءة عابرة كهذه لا تكفي لمثل هذا الكتاب المتخم بالمعلومات والأحداث والرؤى والتطلعات ويحتاج إلى عرض مستفيض وواسع، كما أن مؤلف الكتاب وصاحبه هو في غنى من أن أغدق عليه هالات الثناء والإطراء وغني عن الشهرة والأضواء فهو من أسرة (آل معمر) أجداد وآباء المؤلف ممن رافقوا الملك المؤسس في فتوحاته وتوحيد أرجاء البلاد وممن أسهموا في إدارة نهضتها في المجالات القيادية والإدارية ومنهم الأمراء والوزراء والأدباء ووالد المؤلف أستاذنا الصحفي والأديب اللوذعي صاحب القلم الرشيق والكلمة الصادقة والعبارة المحلقة أطال الله في عمره خير مثال على ذلك والذي لا يخفي المؤلف بأنه تأثر بأسلوبه وتتلمذ على مقالاته وكتاباته وحظي بمتابعته وتوجيهاته ليحيلنا بذلك إلى تلك العبارة التي طالما تتكرر في مثل هذه المواضع (ابن الوز عوام).
ومع أن هذا الإصدار هو الأول للمؤلف إلا إنه يمثّل بداية موفقة وجاء كقطرة المطر المبشرة بالسيل النافع الذي يروي عطش الأرض والظامئين إلى شمس المعرفة ونور الحقيقة، وهو وحسب حدسي مقدمة لمشروعات تنويرية ثقافية توثيقية قادمة نتمنى أن لا تنقطع ويتوالى عقدها تباعاً، ولا يسعني إلا أن أقول إن هذا الكتاب أتى ليرسم المحبة في قلوبنا ويعزِّز الثقة بقيادتنا الرشيدة وبعد نظرها الثاقب ويزرع الأمل في قادم أيامنا ومستقبل أجيالنا ورفعة بلادنا.