احتفلت المملكة العربية السعودية يوم 23 سبتمبر الحالي باليوم الوطني الواحد والتسعين، وهو اليوم الذي شهد الإعلان التاريخي للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - عن توحيد البلاد تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله».
وهذه المناسبة التي تمر علينا هذه الأيام عزيزة على قلوبنا جميعاً، ولا تحتفل بها السعودية وحدها، بل تشاركها الكويت في هذه الاحتفالات وفي كل عام، لما للمملكة الشقيقة وقيادتها الحكيمة وشعبها الطيب من مكانة خاصة في قلب كل كويتي، فالتاريخ مشترك والمصير مشترك.. والأيام شاهدة على ذلك.
فالمغفور له - بإذن الله تعالى - المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عاش في الكويت في فترة من فترات حياته ومنها انطلق إلى مدينة الرياض، التي بدأ فيها توحيد المنطقة والتخطيط لها ولمستقبلها. وقبل تأسيس المملكة حل الإمام عبدالرحمن الفيصل وأسرته في مدينة الكويت، فسكنوا في قصر وبيوت الوجيه علي بن عامر، وكانت مساحة البيوت جميعها تبلغ 1289متراً مربعاً، وأما قصر الإمام عبدالرحمن الفيصل فكانت مساحته 1182 متراً مربعاً وهو مكون من طابقين ومجلس للضيوف، سكن فيه الإمام عبدالرحمن الفيصل ومعه نساء الأسرة الكريمة، ومنهن الأميرة نورة بنت الإمام عبدالرحمن الفيصل، وهي زوجة الرجل الشهم والشجاع الأمير سعود الكبير بن عبدالعزيز بن الإمام سعود الفيصل.
أما منزل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل فكان يتكون من ثلاث حجرات، ويقع في الجهة الجنوبية من قصر الإمام عبدالرحمن ويمتد من سكة عنزة ويطل على براحة مسجد بن بحر.
وأما بيت أخيه الأمير محمد بن عبدالرحمن فهو مقابل لقصر الإمام عبدالرحمن الفيصل والمكون كذلك من ثلاث حجرات ويحده من جهة الجنوب دروازة ابن دهيمان.
وأما بيت الأمير عبدالله بن جلوي فكان يقع بالقرب من دروازة العبدالرزاق من الجهة الشمالية، ويحده جنوباً مسجد الجد الشيخ سيف بن فهد بن مسعود آل غانم (الملقب بن هبلة) وشمالاً فريج الحاكه وهي مهنة كانت يمتهنها (الحساوية) و(البحارنة).
وفي يوم من ذات الأيام ذهب الملك عبدالعزيز لوالده الإمام عبدالرحمن الفيصل واستأذنه بالخروج مع إخوانه وأبناء عمومته ورجاله ليعيد الكرة ويسترجع الحكم من يد الغاصبين، وفي هذا اللقاء حدثت أمور كثيرة لا مجال لشرحها وتفصيلها في هذا المقال، فقد أبحرت بتفاصيلها في مؤلفي عن حياة الأسرة السعودية بعنوان (آل سعود في رحاب الكويت)، ولكن ما هو جدير ذكره في هذا المقام أن الإمام عبدالرحمن الفيصل وافق على طلب ابنه الملك عبدالعزيز فدعا له بالتوفيق والنصر.
ذهب الملك عبدالعزيز والأمير عبدالله بن جلوي لدلّال الإبل واشترى منه ذلولين بقيمة 440 روبية هندية، وطلب منه الملك عبدالعزيز أن يتسلمهما منه في اليوم التالي قبل مغيب الشمس،وأما الأمير محمد بن عبدالرحمن وأبناء عموته، فقد طلب منهم الملك عبدالعزيز أن يذهبوا إلى السوق ليتزودوا بما يحتاجونه إليه من مؤونة وعتاد وطلب أيضاً من الجميع ألا يلفتوا إليهم الأنظار وأن تكون انطلاقتهم بإشاره منه وهي رفع يده اليمنى قبل مغيب الشمس أي قبل إغلاق باب سور الكويت. في هذه الأثناء علم الشيخ مبارك بن صباح بخروج الملك عبدالعزيز ورجاله، فأرسل الشيخ علي الخليفة ليلحق بهم ويزودهم بالمال والسلاح والعتاد، فعندما جمع ما طلب منه سار الشيخ علي الخليفة بهذا المدد إلى «جّرية»، وعندما وصلهم قال لهم: «هذي المؤونة على قدر المستطاع المستعجل وهذول الرجال بكونون معاكم وإن شاء الله.. الله بينصركم وإذا كنتم بغيتوني شخصيًا أبشروا بالوقفة معاكم».
فأجاب الأمير عبدالعزيز، وقال: «طيبكم وفضلكم وصل حده، ولا حاجة لشخصكم الكريم وإحنا بعون الله نكفيكم عن كل عدو يبي الضرر لنا ولكم والله يعينا على رد الجميل.. ويا علي احنا أهل حق ولا نقصد إلا له ومتوكلين على الله سبحانه فبلغ سلامنا واحترامنا إلى والدنا الشيخ مبارك أطال الله في عمره لنا ولكم ومتعنا في حياته».
فتقدم وسلم على أخيه الشيخ علي الخليفة وقال: «يا علي بإذن الله سنرسل لكم البشارة»، فودعهم الشيخ علي الخليفة ورجع الكويت.
وكان الشيخ مبارك والإمام عبدالرحمن في حال صمت وترقب ينتظران الأخبار ويدعوان الله في سرهما أن يوفقهم في سعيهم ، ففي ذلك اليوم نادى المنادي ليسمع أهل الرياض جميعاً أن الحكم لله ثم إلى عبدالعزيز بن عبدالرحمن ابن سعود فتباشره الناس وحمدوا الله على رجوع الحق إلى أهله، فطلب الأمير عبدالعزيز من ابن عمه الأمير ناصر بن سعود بن إبراهيم بن عبدالله بن فرحان آل سعود أن يسرع إلى الكويت لينقل «البشارة» لوالده الإمام عبدالرحمن الفيصل، ووالده الشيخ مبارك الصباح بفتح الرياض.
هكذا هي العلاقة الكويتية السعودية، فهي ليست علاقة عابرة بل هي متجذرة تاريخياً بين القيادتين والشعبين منذ سنوات طويلة، فلا ننسى موقف الملك فهد وإخوانه وأبناء عمومته ووقوفهم مع إخوانهم أسرة الصباح الكريمة ومع شعب الكويت إبان الغزو الغاشم في العام 1990م ، فقد تمسكوا بوصية والدهم الملك عبدالعزيز وبالعلاقة الخاصة بين البلدين، فهي علاقة أخوية قائمة على الإخلاص والوفاء، ونحن كشعوب نحمد الله أن لدينا قادة نفخر بهم وندعو المولى عز وجل أن يمدهم بالصحة والعافية.
نبارك اليوم للمملكة بهذه المناسبة الوطنية، نبارك اليوم للمملكة بعصر الازدهار والتطور الذي تشهده تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أدام الله عزه، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله.
ختاماً ندعو الله أن يحفظ المملكة العربية السعودية العزيزة ودولة الكويت الحبيبة وجميع بلاد المسلمين.
** **
عبدالله بن غازي آل غانم - الباحث بتاريخ العلاقات السعودية الكويت
DARALGAZI@hotmail.com
ag_alghanim@hotmail.com