عبده الأسمري
منذ أن كنا صغاراً تشربت أنفسنا «لاءات» متعددة كانت لنا بمثابة «الآلاء» المتمددة في سنوات عمر لاحقة.. تعلمنا أن لا «الناهية» تسبق كل فعل مرتبط بالإساءة لكل شيء يحيط بنا حتى «الجماد» وأن لا «النافية» تتقدم أمام كل قول نبتعد فيه عن «الشبهات» وننأى منه عن «الاتهامات»..فتشكلت لدينا «نزاهة» فطرية و»أمانة حياتية.. صقلتها نصائح الآباء وأكملتها دعوات الأمهات ووظفتها ميادين التعليم..
كثيرة تلك «اللاءات» التي تقتضي الوقوف عندها والمضي برفع لوائها ابتداءً من رفض داخلي لكل ما يشوب الفطرة ويسيء للأنفس ومروراً بكل ما يشوه السلوك ويحتم العقاب وانتهاء ً بكل ما يجلب المصاعب ويؤكد المتاعب.. حيث تأتي «لا» لتكون «سبيلاً» للخروج من الأزمات و»حلاً» للنجاة من الفتن و»رأياً» للتعافي من الصدمات...
تتشكل «لا» النهي من «غلبة» الضمير ومن تغليب «السواء» لتكون «الفيصل» في دروب تحتمل «الشك» وتثير «الشبهة» وتنشر «الريبة» فيأتي الصدى الداخلي للنفس والمدى الخارجي للعقل ليعلن استخدام «لا» الناهية لضمان آلاء النهاية التي تمضي بالإنسان إلى حيث «صلاح» البال و»فلاح» الأحوال..
في معطيات الحياة تتبارى موجات «الصراع» بين «لا» نحو كل فعل أو قول أو مسلك خاطىء و»إلا» لاستثناء كل سلوك أو نتيجة أو ردة فعل صحيحة لتكون النفس في موازين مستديمة من اختبار التفكير الذي يقتضي حسن أو إساءة «التدبير» وفق اتجاهات العقلانية فيتباين البشر في هذا الاختبار وفق فروق فردية تقود الإنسان إلى شواطئ الأمان أو ترمي به في منحدرات الخذلان..
تسهم اللاء في تجنب الإنسان للعديد من الأخطاء ونجاته من الانزلاق في الكثير من المهالك وتجنيب الذات من الوقوع في «نزغات» تتربص بها الدوائر الحتمية وتصنع لها المصائر الوهمية..فتأتي «السبل» في «مصائد» سوء و»مكائد» سقوط تقتضي «الامتناع» وتستوجب «الرفض»
هنالك لاءات مكبوتة داخل الإنسان تنتظر إشارة من العقل لنطقها ثم العمل بها لأنها تظل «حرفاً» يتطلب «فعلاً» في شؤون الحياة واتجاهات العيش حتى تظل تلك «اللاء» وسيلته لتحقيق غاية «الارتياح» في التعايش مع الآخرين والتصالح في الرضا مع النفس.
تختصر لاءات «النهي نكران تلك المواجع التي تعتمر القلب وشجب تلك الأوجاع التي تستعمر الداخل وصولاً إلى تكامل بين النية والهوية وتسهم لاءات «النفي» في ابتعاد الإنسان عن كل ساحات «الاقتران» بكل ما يخالف طبعه ويختلف مع طبيعته نافياً «الأمور» الدخيلة عليه منذ أول «المؤشرات» وحتى آخر «المعطيات» لينأى بنفسه عن أي «انتماء» يثير «الشبهة» أو أي «ادعاء» يجلب التهمة..وصولاً إلى «براءة» ذاتية تتخذ من المنع الشخصي أداة أولى وطريقة مثلى لصياغة السلوك الذي يعكس قيمة «النفس» ولا يمثل أهواء «الغير»
تمثل «لا» إجابة مختصرة وطريقة منتصرة في ردات الفعل التي تلزم الإنسان بسلوك متوافق أو مضاد مع «حتميات» التعايش ومع «ضروريات» الحياة في دروب عمر تقتضي أن تكون لا الناهية غاية» النهاية» في الأمور الحياتية التي تتعدد فيها الأطراف وتحتم الهوية الذاتية أن يكون للشخص بصمته وكلمته ومسلكه في تحديد «رأيه» وإبداء» غايته» حتى تتحول الشبهات في محيطه إلى «براهين» تقتضي «نهي» النفس و»نفي» المسلك..
لاءات النهي التي تنهى عن الغي وتمنع عن الغوغاء وتحمي من الأخطاء «أدوات» مستديمة لصياغة «شخصية» سوية ترسم ملامح «الآراء» من منطلق التفكير وتحقق مطامح» السواء» من منطق التدبير حتى تنجو في «اختبار « النوايا وتنجح في «ابتلاء « الأقدار..
تؤدي لاءات «النهي « في السير بمأمن عن التبعية الحياتية في شؤون إدارة الذات مما يشكل لدى الإنسان «فكراً « خاصاً تتدخل فيه المسارب والتجارب والمشارب وتتداخل وسطه التربية والتوجيه والوجهة حتى يتم حصد «آلاء» الوعي التي تتمثل في «ثمار» الثبات وفي «صاد» التميز وفق شخصية تعتمد على «هوية» القيم وتتعامد على «وسيلة» التقييم بعيداً عن لبس الأقنعة أو تزييف الوجوه أو تبدل التوجه..