العجب العجاب أن نرى في بلادنا الإسلامية كتابًا وأساتذة وفقهاء يختلفون في أصول الاقتصاد الإسلامي، فبعضهم يردها إلى أحد المذاهب المعاصرة؛ إذ يرى أنه اقتصاد زراعي إقطاعي، وبعضهم الآخر يرى أنه يعتمد في مبادئه وقواعده أصلاً كبيرًا ألا وهو الاقتصاد الفردي الحر، في حين أن طائفة ثالثة ترى أن الاقتصاد في الإسلام يرتكز على الملكية الاشتراكية الجماعية.
إن هذا الاضطراب في التحليل الاقتصادي لا يزول إلا بالدراسة المعمقة لمقومات الاقتصاد الإسلامي وأُسسه الشرعية، ومن المقاصد الجليلة التي تتبين للمتعلم من دراسة الاقتصاد الإسلامي مقصد مهم يتمثل في مدى اتساع الفقه الإسلامي.
إذ كثيرًا ما نسمع أن الفقه الإسلامي لا يتجاوز حدود الطهارة والصلاة، وسائر التعبُّدات، ومسائل الحيض والنفاس، أما الاقتصاد والاجتماع والتعليم والسياسة والإعلام، فهذه ميادين متروكة بداهة لعلوم العصر.
يقول الدكتور عبدالحميد بوزوينة في كتابه الرائع (ثقافة المسلم دراسة منهجية برامجية): إن هذا محض افتراء ولَّدته أسباب شتى أخطرها الجهل والتعصب، والحقد والدوائر الاستعمارية، ومراكز الغزو الفكري.
الاقتصاد الإسلامي مهم جدًّا؛ لكونه يتصل بأحد الجوانب الحيوية للحياة الإنسانية، ولا عجب إذا رأينا العلماء والمفكرين شرقًا وغربًا يولُونه أهمية خاصة، دراسة وتحليلاً؛ فقد ربط المفكرون الاقتصاديون كثيرًا من المشكلات والظواهر التي تعرفها البشرية بدولاب الاقتصاد، وهذا يجعلنا نؤكد أن العلماء المسلمين مطالبون بتبصير أجيال الأمة الإسلامية بمعالم اقتصادنا الإسلامي.
وإن عدم القيام بهذا الواجب ينتج عنه أسوأ العواقب وعلى رأسها التبعية الفكرية، والتقليد الأعمى لمذاهب الغرب، ولا شك أن دراسة الاقتصاد الإسلامي ينبغي أن تحقق أهدافًا ومقاصد نافعة.
فمن خلال هذه الدراسة يتعرف المتعلم على شتى المذاهب الاقتصادية المعاصرة التي تسود عالمنا.
كما تفيد دراسة الاقتصاد الإسلامي في عملية الرد العلمي الموضوعي على مزاعم الأعداء والمستشرقين والمشككين.
إن المتعلم ليندهش من خلال التقدُّم في الدراسة والبحث والتحليل؛ حيث يكتشف أن للإسلام مذهبًا اقتصاديًّا ونظامًا فريدًا يمتاز بالعُمْق والاتساع والشمول.
وهذا أمر طبعي؛ لأن مبادئ الاقتصاد الإسلامي ربَّانية المصدر، بينما منطلقات الاتجاهات الاقتصادية بشرية المصدر، محدودة الأهداف، نسبية النتائج، ثم إن النظام الاقتصادي الإسلامي يمتاز إلى جانب الاتساع والشمول والعمق بالمرونة، ذلك أن الأحكام الاجتهادية في المجال الاقتصادي تتبع أحوال العصر، وتنسجم مع ظروف البيئة، وإمكانات البشر، وطاقات الأمم، وفِقه المستجدات والنوازل.
علمًا بأن هذه الأحكام الفرعية المتجددة لا تخرج عن نطاق المبادئ العامة والأصول الكبرى للنظام الاقتصادي الإسلامي. ومن خلال دراسة الاقتصاد الإسلامي أكثر فأكثر يكتشف الدارس والباحث أن الإسلام قادر على حَلّ جميع المشكلات، واستئصال شتى الأزمات التي تنخر في مجتمعاتنا الإسلامية.
إن دراسة الاقتصاد وَفْق المنظور الإسلامي تفيد أيَّما إفادة في فَهْمنا لكثير من القضايا التاريخية التي شوَّه معظمها أقطاب الفكر الغربي وسدنة المذاهب الوضعية، لمقاصد وغايات خبيثة، وإن كان بعض علماء الاقتصاد المعاصرين، ومنهم جاك أوستري اعترفوا أخيرًا بأن الاقتصاد الإسلامي هو النظام الذي يحقق للإنسان السعادة والكفاية.
إن دراسة الاقتصاد الإسلامي تبيِّن بوضوح تام أن الإسلام وحدَه كفيل بإرساء دعائم العدالة الاجتماعية، بل إنه أكثر من ذلك يؤسس مجتمعًا متكافلاً يسعد فيه العاجز والضعيف، والأرملة والمسكين واليتيم، لقد أيقن الإنسان المعاصر بعد فشل النظم الاقتصادية المختلفة أن المخرج والمنقذ هو الاقتصاد الإسلامي.
إن عبودية الإنسان المعاصر للمادة هزت كيانه وجوهره، وعكرت صفاء فطرته السليمة، فضلاً عن القيم الروحية والأخلاقية التي لا تستقيم الحياة إلا بها.
والنظام الاقتصادي الإسلامي يتميز بأنه صالح وشامل للحياة والأحياء، وذلك لقيمه النبيلة وأخلاقه السامية ودقته، ومراعاته لأساليب الحياة والناس.
ولا غرو؛ فإن الاقتصاد في الإسلام فرع أصيل من فروع الشريعة الإسلامية السمحة الشاملة لكل الجوانب المادية والروحية، منهجًا وأخلاقًا، فكل ما اشتملت عليه من عبادات ومعاملات وحدود وفضائل، إنما هو وسيلة لغاية كبرى، هي: توحيد الله - تعالى - ثم البناء الأخلاقي المتكامل للبشرية في منهج تشريعي ربَّاني، إن اقتصادنا الإسلامي اقتصاد فريدُ من نوعه، عريق في تاريخه، أصيل في ذاته، مستقل في تعاليمه، نسيجُ وحده، اقتصاد يقوم على تشريع رباني، اقتصاد يقوم على قواعد أساسية، اقتصاد متفرد بخصائص ذاتية.
وصدق الله - عز وجل - القائل - سبحانه -: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].
** **
للتواصل: zrommany3@gmail.com