وفاء سعيد الأحمري
عند تسليمي رسالتي للدكتواره كنت أنظر إلى فصولها قبل تسليمها للجامعة، وجدت أن أوجه التشابه بينها وبين فصول حياتنا كبيرة، فكلاهما يتضمن مقدمات ونهايات ونتائج وطرق بحثية وتوصيات، وفي الحياة كما في رسالة الدكتوراه فصول بدايات أشبة بالنهايات، ونهايات بنتائج غير متوقعة كما في كتب عنها أهداف البدايات.
هناك في الحياة عينات عشوائية (Random sampling) وأحداث وأشخاص تمامًا كما في البحث العلمي, وبالمقابل يوجد عينات مختارة (purposive sampling) اخترناها ولم تخترنا, ولكن عند تحليل النتائج كانت هي المناسبة. أيضًا هناك عينات كنا نود الحصول عليها ولكن لضيق وقت جمع البينات لم تكن ضمن مجموعة أحداثنا اليومية وعيناتنا البحثية، ويوجد كذلك عينات لها متغيرات وعوامل وظروف قسرية جعلتها تنتمي لمجموعات أخرى قدرًا وليس اختيارًا.
وعند الحديث عن التوزيعات البيانية, هناك أحداث وُزعت بشكل متساوٍ وأخرى كانت متباينة، ويوجد العديد من الرسوم البيانية المتغيرة والمتفاوتة، ومنحيات وانحناءات متوقعة وغير متوقعة، وفي حياتنا عمليات وقصص حياة إحصائيه غير دالة -non significant- ولكن لها قيمة معنوية، ويوجد أيضًا في الناحية الأخرى نتائج إحصائية دالة لكن هي لا تعني شيئًا معنويًا ولا تدعم أي حدث مرجو في رحلة الحياة.
أما الفصول النوعية في الحياة فلها فلسفات برقرامتية مختلفة وفريدة، والثيمات أو المجموعات التي حللت فيها فصول حياتنا، لا أعتقد أن مدرسة كلارك وبراون- braun and Clarke- في تحليل الثيمات كافية أن تفسر وتحلل كيف هي مجريات حياتنا وثيماتها، ولا مدرسة كريسول -creswell- في البحث النوعي قادرة على فهم نظريات بعض الأحداث في الحياة قد تفسر البحوث المختلطة والتجارب المتنوعة بين النوعي والكمي-mixed method approach- جزءاً بسيطاً من أحداث حياتنا بشكل سطحي لكن ليس بشكل عميق.
وفصل المناقشات والتوصيات يطول شرحها في فصول حياتنا، فليس كل النتائج قابلة للنقاش ولا كل التوصيات ستكون حاضرة وقت اتخاذ القرارات الحياتية المصيرية أو الصعبة، هناك نتائج تفاجئنا دون طرق معدة مسبقًا ولا أهداف مدونة. لا أعلم كيف للبحث العلمي وطرقه أن يفسر هذه النتائج. هل سيعتبرها غير صحيحة ونتائج خاطئة أم يفسرها على أنها قصور في أدوات الباحث ونحن وإدراكنا. لكنها موجودة وحاضرة هذه النتائج في حياتنا وحتى إن لم يقرها البحث ولم يوجد لها تفسيرات متطابقة للمدارس البحثية الموجودة. هي نتائج دون حتى فرضيات مسبقة ولكنها غيرت أقدارًا وتم احتسابها ومناقشتها وبناء فصول أخرى من الحياة على ضوئها.
أما فيما يخص المتغيرات فيطول شرحها في فصول حياتنا، فالمتغيرات المستقلة هي مستقلة إحصائيًا لكن عند النتائج والمعادلات تتحول بقانون الحياة ليس بقانون الأحصاء إلى متغيرات تابعة، والعكس صحيح، وتكتب النتائج النهائية بناء على حساب وقانون مستحدث في الحياة ولم يوجد ما يوازيه في علم الإحصاء. لتكتب الحياة في فصل المناقشة نتائج مفبركة ويتم بناء توصيات خاطئة وتنشر في مجلة بحث علمي ويعمل بها العديد من البشر وبعدها تتحول هذه النتائج إلى برمجيات حياة ثابتة بينما هي ليست كذلك، وهذه النتائج هي بانتظار باحث ينتقدها بشجاعة ويكتب عنها بلغة ناقدة بناءة.
من أهم أوجه الشبه بين الحياة وأطروحة الدكتوراة أنها ممتعة ومثيرة للاهتمام، ومع كل حدث أو نتيجة هناك درس وتجربة مفيدة، وهذه الدروس ستوصلنا إلى نهايات مرضية وسعيدة وليس بالضرورة منطقية بلغة الأرقام، فكما تقول هلين كلير (إذا كانت الحياة مجرد فرح وسرور طوال الوقت فلن تتعلم كيف تصبح شجاعاً وصبوراً). النتيجة النهائية في الحياة أن كلَّ شخص لديه عدد لا نهائي من رسائل الدكتوراه غير المدونة بنتائج لابد أن يفتخر بها لأنها فصول وقصص وعمر وأحداث صنعته بنسخة متفردة مميزة.