عبدالوهاب الفايز
أهم خطوة اتخذناها استعدادًا للمستقبل هي: تصميم ثم إطلاق برنامج القدرات البشرية.
هذا البرنامج يستهدف بناء مقومات الموطن السعودي وإعداده للمستقبل، ونطاق عمله يغطي جميع الموطنين. ورغم تنوع مبادرات البرنامج وتوسعها في مجالات عديدة، إلاّ أنها لم تتطرق إلى أمر ضروري لمستقبلنا، وكنا نتمنى الإشارة له أو استهدفه عبر مبادرات خاصة ونقصد: (السلامة المرورية)، أي بناء الاهتمام ببناء المهارات والاتجاهات لقائد السيارة لكي يضع في اعتباره وفي أولوياته ممارسة السلوك الحضاري الإيجابي في الطريق. السلامة المرورية أداة للتربية الوطنية.
القيادة الآمنة والإدراك والوعي لمتطلبات السلامة المرورية، واحترام حقوق الإنسان وحماية حقوق الآخرين في الطريق، وممارسة العدالة مع النفس ومع الآخر ومع كل العناصر الأساسية في الطريق وفي الفضاء العام، في تصوري الخاص هذه أمور حيوية للسلام الاجتماعي وبناء الجبهة الداخلية، وهي المنتج الأخير النهائي، وأحد آليات القياس الواقعية التي توضح مدى نجاح منظومة التعليم والتربية وبناء القدرات البشرية، وأيضا توضح مدى كفاءة الأداء الحكومي.
الطريق هو المسرح الذي نعرض عليه قيمنا وأخلاقياتنا، وفيه يتضح نتاج المهارات الأساسية التي تعلمناها، أو نفتقدها، وفيه ترى مفهوم العدالة وتطبيقات لدى الناس، وترى مدى تقييم الناس لـ(هيبة النظام).
في الطريق ترى جانباً مهماً لروح الدولة.. وروح القوانين والجماهير.
في الطريق سوف نرى منتج السلوك لأغلب المهارات والقيم الذي يتطلع إلى تحقيقها برنامج القدرات البشرية. مهارات إدارة الوقت والضغوط، وغيرها. أيضاً سوف نجني الامتثال لقيم العدل والتسامح والسلام والعزيمة والانضباط والمثابرة، هذه المهارات والقيم التي يسعى ويتطلع البرنامج إلى بنائها وغرسها في جميع مراحل التعليم، إذا تم العمل عليها سوف نرى منتجها السريع على الطريق. وهذه عندئذٍ ستكون المكتسب المفرح حين نراها كمنتج حي لبرنامج القدرات البشرية. وهذا هو الذي يجعلنا نكرر ونعيد ثم نزيد في الحديث عن أهمية التدخل السريع لمعالجة أوضاع القيادة في الطرقات!
الفئات العمرية الصغيرة يحتاج إعدادها للمستقبل أن ترى (القدوة) أمامها في الطريق وفي الأماكن العامة.
في هذه المجال المشترك للتواصل الإنساني، كيف يفسر الصغار حالة العنف والتوحش في القيادة؟ كيف يفهمون حالة انفصام السلوك والممارسة بين ما يرونه سواء في البيت أو المدرسة أو المسجد من ممارسات ومن حث على القيم والسلوكيات الحميدة وبين ما يجري خارج المنزل؟ إذا لم نتعامل بجدية مع هذا الوضع، فربما لن نرى المنتج الإيجابي لسلوك المواطن الصالح الذي نتطلع إليه.
في الطريق، الصغار يرون أمامهم سلوك وممارسات الآباء والأمهات والمربين وقيادات المجتمع المحلي وقيادات الإدارة المحلية، والنجوم في المجتمع الفني والرياضي والتواصل الاجتماعي وغيرهم.. هؤلاء يراقب الصغار سلوكهم، وقد يكونوا لهم بمثابة القدوة الحسنة للتعلم والاقتداء، اأو هم المثال السيئ. لذا التدخل السريع لمعالجة حالة الفوضى في القيادة، مع التركيز أولا على وضع الممكنات التي تساعد على تحقيق العدالة في الطريق. هذه تأتي في قائمة الأمور الضرورية لنجاح برنامج القدرات البشرية وتحقيق الأهداف التي يتطلع إليها.
المواطن الصالح والمنتج الذي يعمر الأرض وينافس على المستوى العالمي يبدأ إعداده وتربيته من خلال منظومة القيم والممارسات التي يعكسها سلوكه في الطريق وفي الفضاء العام. لماذا هذا الأمر مهم؟ إذا تأملنا واقعنا الآن، ومستقبل المدن المليونية التي سوف نعيش فيها، هنا سيأخذنا خيالنا لنرى صورة حية لأهمية التعايش والسلام الاجتماعي، والتعاون والتعاضد، وبناء روح الأخذ والعطاء والتنازل والتضحية.
لا يمكن للبشر أن يتشاركوا ويتعايشوا في بيئة حضارية دون قوالب عامة، قانونية وأخلاقية، تضبط السلوك والتفاعل الإنساني في المدينة. الحياة ستكون صعبة ومكلفة نفسيًا واجتماعيًا بدون هذه الأرضية الصلبة التي يقوم عليها السلوك الإنساني في المدينة. خارج منازلنا، نقضي الآن الوقت الكثير، في الطرقات، في المطاعم والأسواق، في الحدائق العامة، وفي وسائل النقل.
برنامج القدرات البشرية مخرجاته التي يتطلع إليها سوف تجعل الحياة ممتعة ومنتجة، وميسرة لحياة البشر ومعاشهم.. والاهتمام بكل ما يؤدي إلى تحقيق مقومات السلامة المرورية هو المسار الأمثل الذي يأخذنا إلى الهدف الأسمى الأهم: تحقيق السلام الاجتماعي، وإيجاد المواطن الصالح المتحضر الذي يتحلى بالاخلاقيات والذوق العام، والأدب الجم.
لن تتحقق جودة الحياة إذا مدننا وشوارعنا بقيت مسرحًا مخيفًا و(السيارة سلاح) يهدد أمننا!