محمد سليمان العنقري
لم يكن تعليق البيت الأبيض في واشنطن على تعطل منصة فيسبوك و»واتس آب وانستجرام» التابعتين لها تعليقاً عرضياً، بل معبر عن حجم التأثير الذي تركته تداعيات هذا التوقف الذي دام لنحو ست ساعات يوم الاثنين الماضي حيث ذكر بالتعليق «أن مواقع التواصل الاجتماعي أثبتت أن لديها قوة لا تستطيع السيطرة عليها وأنها بحاجة لإصلاحات داخلية «فما حدث من تعطل شل حركة أكثر ملياري حساب تستخدم المواقع الثلاثة أي ما يعادل نحو 26 في المائة من سكان الأرض وهو ما كان له تداعيات تخطت حدود التواصل بين هذه الحسابات وإنما كان له انعكاسات عديدة سلبية على قطاع الأعمال وأسواق المال الأمريكية أكبر أسواق العالم على الإطلاق مما أوجد حالة من الارتباك استنفرت معها حكومات العديد من الدول خوفاً من أن تكون هناك هجمات سيبرانية قد تمتد لمواقع أخرى.
لقد أثبت العالم الافتراضي أنه أصبح ركناً أساسياً في حياة الشعوب التي أصبح جل تواصلها، بل حتى أعمالها تتم من خلال وسائل التواصل وكذلك العالم الرقمي فبالرغم من أن التعطل لأي منظمة أمر وارد خصوصاً في عالم الآلات وكذلك التكنولوجيا والتطبيقات الحديثة إلا أن ما حدث من تعطل لأهم مواقع التواصل بالعالم وأكبرها استخداماً وقيمة يفتح الباب على أهمية إعادة قياس مخاطر وسلبيات التكنولوجيا الحديثة وهذا العالم الواسع الأفق والنطاق مما يعني بالضرورة وضع الخطط البديلة للحفاظ على النشاط الذي أحدثته هذه التطبيقات والمنصات قائماً دون أن يحدث خلل يحيلها للشلل التام كما حدث مساء الاثنين الفائت فالاحتكارية التي وصلت لها هذه المواقع باتت تشكل خطراً على العالم فحجم مستخدميها ضخم جداً وباتت تؤثر في تفاصيل الحياة العامة بكل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكان لها تدخلات وعلاقات بدعم توجهات سياسية شكلت خطراً على العديد من الدول ومع هذا التعطل الكامل لها الذي أوضحت شركة فيسبوك في بيان لها أنه نتيجة خطأ تقني باتت في عين العاصفة ولا بد أن الدول الكبرى ستتحرك لإيجاد حلول تمنع ليس فقط وقوع مثل هذه التوقفات بل حتى إعادة تنظيم هذه المنشآت داخلياً وحتى على المستوى العام بتفكيك هذا الاحتكار والتأثير البالغ لها وهو ما نادت به أصوات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني غربية عديدة سابقاً.
ولعل من الآثار التي لمسها الجميع من أعطال مواقع فيسبوك وتوابعها انخفاضات كبيرة بالبورصة الأمريكية بقطاع التكنولوجيا الذي فقدت شركاته من قيمتها أكثر من 150 مليار دولار وهبط مؤشر ناسداك الذي يضم قطاع التكنولوجيا بنسبة 2 بالمائة بينما فقدت شركة فيسبوك من قيمتها السوقية أكثر من 40 مليار دولار بقليل فهذه الشركة تفوق عوائدها السنوية 100 مليار دولار وإيراداتها في الساعة تقارب 12 مليون دولار وتمثل الإعلانات جل إيراداتها ويعتمد الكثير على تطبيقاتها في تعاملاتهم التجارية وإدارة الأعمال والإعلانات فبعض الشركات تصل مبيعاتها عبر التجارة الإلكترونية إلى 90 بالمائة وتمثل شركة فيسبوك نافذة مهمة لإعلاناتها بينما يلعب تطبيق واتس آب دوراً مهماً في تواصل العملاء مع الشركات التي يطلبون منها خدمات أو منتجات وهو ما ينطبق على موقع إنستجرام فمصدر رزق الكثير من العاملين بالتسويق أصبح يمر عبر هذه الوسائل الحديثة فهي منصتهم وحلقة الوصل مع المجتمع المستهدف في تسويق منتجاتهم أو الإعلان عنها
العالم الافتراضي الذي تقوده شبكات التواصل أصبح اليوم ضخماً بما يكفي ليشل حركة العالم بالواقع الملموس ولم يعد بالإمكان الاستغناء عنها بسهولة ولكن ما حدث يثير مجدداًً التساؤل حول سلبيات الاعتماد المفرط على الاقتصاد الرقمي وعدم وجود خط مواز للنمط التقليدي بالتسويق أو إدارة الأعمال ليحل الإشكاليات التي قد تقع على هذه الوسائل الحديثة ويكون بديلاً ومكملاً أيضاً حتى لا يكون الرهان على مسار واحد في إدارة الكثير من الأعمال وكذلك طرق التواصل بين الناس فما حدث هو جرس إنذار لمزيد من التحوط أمام الاتجاه المتسارع للعالم الرقمي والمواقع التي تعمل على شبكته وتمتلك كماً هائلاً من المعلومات وخصوصيات المستخدمين وسهولة النفاذ لكل المجتمعات ومعرفة كل ما يدور فيها وما هي اهتمامات شعوبها ونمطهم الاستهلاكي والكثير من المعلومات التي يمكن أن يستخدموها ويجنون منها إيرادات مهولة بخلاف القدرة على التأثير بنشاط الشعوب الذي أصبح يمر جزء مهم منه عبرها.