بين يدي «معرض الكتاب» الذي يلفى حفاوة من قادة البلاد، أُملي المادة إلحاقا
ف..ربما تُنشر من بعد انفضاض سامر المعرض، فأبدأ/
حين تتلو (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة، ففيها إيجاز ومن ثمّ تسليم أنه لا كتاب البتة يوازي كتاب الله وبالتالي لا يوجد ما يستحق أن يطلق عليه هذا المسمّى سواه.
إذ كل عمل (بشريّ) ومهما بذل فيه.. إلا ويطلب صاحبه- في المقدمة- التماس العذر له من المتلقي لما (قد) يجد فيه من زلل، بل إن شئت تقول هفوات فلن تلفى من يضارك على ما تقول، وبالمناسبة فإنه يحسن بعضهم ممن حبّ نوال حديث (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ) صحيح الجامع للألباني- رحمه الله-، فيضع في آخره (وبعد أن أعياه طول التصحيح) جدولا وفيه/ رقم الصفحة والخطأ والصواب - الذي يلزم- لأقول/
سبحان الله حين تدخل أي مكتبة جامعية وأمثالها يتوقف عقلك شبه مشلول، أو بالأصح تجده في ذهولٍ.. مما يرى في الأرفف لعطاء نوعية من البشر صرفت جزءا من عمرها، طال أو قصر (حسب حجم المؤلَّف) فتقارنه وهمّتك فتتحرّج للبون الشاسع، الذي إن حصرته في قراءة لتلكم فقد بلغت مبلغا.. فكيف حال من كتب وقد جزر من العمر والطاقة من قبل، بخاصةً وأن بينها أسفارا.. فتحسّ وكأنك مكتوف القوى بين يدي هؤلاء وعطائهم!
لأنك في قراءتها قد تخثر.. فكيف بهم وهي أخذت من أعمارهم ما أخذت، واستغرقت من ذهنهم صحوهم والمنام، بل هناك من طوت عطاءاته زهرة عمره فأتت على الأخضر منه واليابس ما تجده في تجسس منك لزخم تلكم، فيما وحرث جهدك قِبل ما قدموه إن استطال عنقه في إتمام قراءة هذا العطاء أو ذاك فإنه منك - لهم- إحسانا، وأحسب إن أرهفت لمنطقهم لقالوا/
ذاك ما كنا نبغِ.. منك وبالفعل تحس كم أنت قزم أمام عماليق خدموا البشرية بهذه الطروحات (لعل من هذا الملمح أُنشئت الجوائز.. وبينها جائزة الملك فيصل كدليل جلي) أقرّب لك – مثلاً – ألا تظن الطائرة المصنوعة أمامك ممن اتخذت من هيئة الطائر وبحجم يتضاعف آلاف المرات عن حجم من حاكاه شكلاً وهو يصنع للبشرية قاطبة هذا المنتج، مقصده ليس لأجل أن تصوّر معها، أو تبدي عن إعجابك، بل لغرض أكبر أن تحملك وببضع ساعات لأماكن لم تكن بالغها.. إلا بشقّ الأنفس، جهداً وضنا، وربما أشهراً..!
وخذ جلاء في لقطة وافية وعن الشروح لها كافية/
تجد في بلاد الإسلام بخاصة الأزمنة الأولى وقبل أن تتيسر سُبل السفر، وتتنوع اليوم طرائقها، مما كان الحج لبيت الله يأخذ من القوم أعماراً لجمع ما يقوم بمؤونة الرحلة الجليلة (.. ولعل هذا سبب ما يطلق على بعض الكبار.. الحاج)، فهو وصف لا يضاهيه عنده شيء آخر، لأنه أجمل ما يرهف له وبالتالي يتمناه، وقد غطّى على تغريد البلابل في أُذنيه، وللعلم أنه وإلى اليوم بقي لهذا اللقب جماله، والوقار لمن يحمله، كما وأُضيف/
أنك لا تدعو لأحد بأن ييسر الله له زيارة بيته (كناية عن الحج) إلا واسفهل وربما مدّ إليك ما حملت كلتا يديه.. مهما كان ثمينا!
وذلك من فرحه بهذه الدعوة (يا حجي) ولا غرو، فهي غاية حاجاته، بالذات إن كان بلغ من العمر عتيا.
.. إذاً هذا الجسم الطائر صُنع لغرض نفيس، ولأنه كذلك فقد سبق تقديمه لك تجارب مرت، ومن أولئك من دفع حياته وهي في طور التجريب، كما وهناك من دفع جزءا من أعضائه حين غامر بجسده مجرّبا، ما كاد لولا لطف الله أن يهلك دون أن تصلك هذه الصناعة، ولا أُبعد النجعة حسبك أن تذهب لقسم المؤلفات عن الطيران لتُمسك رأسك من هولها!، كماً وكيفاً ما طالت المُجلدات التي تنبئ لك عن تراكم التجارب قبل أن تصل إليك، ثم يكفي أن من صنعها توفي غالباً بأسباب – كما تقدم - أعطاب تلفها حتى لا تواجهك بل وخلفهم من أخذوا من كل حادث يقع ما يمكن أن يتفادوه حتى لا يتكرر.
نعود للكُتب التي وأنت على عجل تمر بين أروقة المكتبة فيعلو بك بصرك ويهبط من أثير ما تراه، وغزير ما تشاهد.. أمام عينيك/
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به
في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل
بل إن كل فن تجد به لو تقصيت ما يحاكي تجربة الطيران، خصوصاً في زمننا الذي بلغت المعارف من كل شيء أقصاه المهم تلك المؤلّفات توقفك لتتبصر بما وراءها، ودواعي أهلها.. وهم يطرحونها، فمع العمر الذي أخذته منهم، وبعضها اعتصرت ذهن صاحبها مبلغا لم تبق به ما يعيش سوياً بين البشر.
فللِهِ درّ القوم بالذات من بلغ بعطائه مبلغا لا يضاهى أحد صنيعه، وهاكم شيخ الحديث (البخاري) -رحمه الله- فقد أخذ جمعه للصحيح أكثر من 15عاما، عدا ما جاب به الأرض طولا وعرضا، إذ قطع 11 ألف كيلو.. ليصلنا باردا مبرّدا، فأنت تبتضع (الصحيح)بدراهم معدودة، ومع هذا تجد بيننا من هو فيه من الزاهدين، فكم على أرفف منازلنا من درر ونفائس الكُتب ما لا يُفتح إلا بالسنة مرّةً أو مرّتين!..
وعودا للكاتب وجانب حاله مما يعيه من يخالطه، درجة أن بينهم من يبلغ بأعين المواليف له مرحلة من الشفقة به!، ما لا تعجب أن تلفى أحدهم وقد ضيّع لبعض المعارف في حياته، لأن باله (.. بالمناسبة لفظة «بال» فصيحةً ولها عدّة معان، منها قلب/حال/شأن)، فأقول تجده كله منصرفا لمنتجه بهذا العطاء الذي (وكما تقدم) ستذهل من منظره، إذا لا تسل عن شأن -وحال -من كتبه؟!
ثم أزيدك كم أخذ منه ليثبت ما في طرحه من وجاهة ما عرضه، فيما مناه الأكبر ليس التسليم لما قال به، بل قبول جهده، ولئن خرج من بوتقة طرحه لا له ولا عليه فذاك رضا، والجاحظ صاحب المؤلّفات (أي الخبير بهذا الباع) أوجز وكأنه يرسل للمؤلفين ابتداء كي يتوخوا ملامة النفس على ما بذلوا بالطرس (.. من ألّف فقد استُهدف)، أي جعل من ذاته مرمى للسهام!، كان حسبه ما قاله النَّظام:
(لا يعطيك العلم بعضه.. حتى تعطيه كلك)..
وقبل الختام أثبت/
ما يحظى به الكتاب لدينا برعاية.. من قبل القيادة- رعاهم الله-، إذ بالأمس شهدنا برعاية خادم الحرمين افتتاح معرض الكتاب وأزيد ألا عجب أن يجد منّا نفيس مقام لأننا أُمّة {اقرأ..}, فالقمين بنا أن نُسابق الأمم بهذا الميدان، لكن والحال (إن أتينا للأحصائيات) لا تُشجّع، فيبقى الأمل الذي نرنوه بأجيالنا عامرا، فلا زال في الميدان فسحة كما وأن هذا المنحى هو الواجب علينا إذ لا يخفى أن أول مصادر العلم الكتاب، ولا سواه بقي في الصدارة، وإن دخلت «أدوات التواصل» ليُتوصّل للمعلومة من قنواتها، ولكنها عاجزة في أحايين كثيرة.
ولعل من له دربة بهذا وقع على تلكم المواطن- من العجز -، فحسب قصورها عن تقديم التفاصيل، كما وأن أكبر مساقط من يتكئ عليها ألا يفرق بما تقدّمه له بين غثّ وسمين..مما تعرضه له من خيارات حال البحث، لأنها تقدّم بلا قيود للطالب كل ما حول سؤله إشارة/
لا يأتيك متحدّث عن الكتاب أعني قدره والذي لا يختلف عليه اثنان إلا واستشهد بأبيات
أحمد شوقي:
أَنا مَن بَدَّلَ بِالكُتبِ الصِحابا
لَم أَجِد لي وافِياً إِلّا الكِتابا
صاحِبٌ إِن عِبتَهُ أَو لَم تَعِب
لَيسَ بِالواجِدِ لِلصاحِبِ عابا
بقي عليّ أن أنبّه إلى أني لم أشأ أُنشئ بهذه المادة ذكرا حول هذا الجانب، أي/ قدر الكتاب- ذاته-، فهذا منحى إن طرقته أخذنى على عطائي أو صرفه لمنحى هو بالفعل أبعد من مرامي بهذا الطرح.