عثمان بن حمد أباالخيل
الإنسان بطبعه يحب المنصب على اختلاف أمكنته، والمنصب يعني المقام والرفعة، وجمعها مناصب.. هل الكرسي هو المنصب.. أم المنصب هو الكرسي.. أين هو الإنسان؟ ومن يملأ الكرسي؟ الإنسان أم المنصب..؟ وهل تختلف تصرفات الإنسان بعد المنصب.. أم الأصل ما تأصَّل عليه؟ أفرح كثيرًا حين أسمع أن إنسانًا أعرفه جلس على كرسي المنصب فهو يستحقه، ولن يتغيّر مع الوجاهة، وأحزن كثيرًا حين أسمع أن إنسانًا أعرفه جلس على كرسي المنصب، فهو سيتغير مع الوجاهة والمنصب وسوف يدور حول نفسه.
من يستحق المنصب، قراراته سوف تكون عقلانية ومدروسة، ويعرف إلى أي مدى سوف تصل، وماذا يترتب عليها، وكيف يتعامل مع من حوله، أما من لا يستحق المنصب فقراراته عشوائية، فكل معلوماته غير صحيحة، وغير واقعية تمامًا كالبيوت التي تُبنى بطريقة عشوائية، الفوضى هي سمتها.
أجزم أن الإنسان الذي وجد الكرسي كرسي المنصب وجلس عليه بالترقية لن يعرف كيف يتصرف حين يجلس في اجتماع إداري أو مالي أو تسويقي أو إستراتيجي وبقية أركان الإدارة الحديثة.
لو دامت لغيرك ما وصلت إليك! لو أن أحدًا استمر في وظيفته أو عمله لما استطاع آخر أن يتولى هذه الوظيفة، ما يبقى للإنسان سمعته، أما الوظيفة وكرسي الوظيفة يتغير مع مرور الأيام.. تلفّت من حولك؟ هناك أمثلة كثيرة تستحق الذكر، وهناك أمثلة تتردد في ذكرها. كرسي المنصب يزيد الإنسان تواضعًا على تواضعه في الحياة، وكرسي المنصب قد يزيد الإنسان غرورًا ونرجسية أحيانًا، وفي النهاية يجد نفسه يغرد خارج السرب.
كرسي الوظيفة أو المنصب.. إنها حياة ملونة جميلة يعشقها للأسف الكثير دون أن يرفع نظره للأمام، الحياة الوظيفية مجرد مرحلة في عمر الإنسان، ويبقى حب الناس ومن حوله ذكرى جميلة منقوشة في ذاكرة الزمان. الإنسان أحيانًا يغالط الواقع، الكرسي للأسف في معظم الحالات يجعلك إنسانًا مهمًا ومحبوبًا، وسرعان ما تكشف ذلك حين ينتهي بك المطاف خارج حدود الكرسي، فترى الناس ومن حولك على وضعك الطبيعي وأهميتك. الناس عادة لا تكشف عن وجوهها الحقيقية إلا حين تنتهي المنفعة لترى الوجوه القبيحة المزيفة.. فلا تغتر بالكرسي وكن طبيعيًا وواقعيًا.. الكرسي يتغير لكن صاحب الكرسي الذي يعرف مسبقًا أن الكرسي لا يدوم، فيجعل كل من حوله سعداء بلطفه ومعاملته الإنسانية، لا يعرف الإنسان متى يتخلى عن المنصب بإرادته، أو يتخلى حسب النظام أو يهوي للقاع رغمًا عن أنفه.
القرارات العشوائية أحيانًا سببها اختيار صاحب الكرسي الوظيفي، فهو غير مناسب ولا يستحق الوظيفة بكل المعايير، ويجد الكرسي من تحته يهتز، فهو لا يدري متى ينتهي مفعول المغناطيس الذي أوصله إليه وأجلسه عليه. من لا يستحق الكرسي بجدارة يستحق أن يقفل الباب بعد خروجه.. فلا تحاول التشبث بكرسي الوظيفة، وإن فعلت ذلك ستجد نفسك خارجًا من باب الطوارئ. كم هو جميل أنْ يجد الإنسان نفسه في المكان الذي يستطيع أن يعطي فيه الكثير والكثير فهذا هو مكانه وعالمه وحبه. أقتبس (الإداري الناجح هو الذي يستطيع تنظيم الأمور على نحو لا يعود العمل بحاجة إلى وجوده) الدكتور غازي القصيبي رحمه الله.