مها محمد الشريف
تغيرت مفاهيم القوة عبر العصور من الاعتماد على العسكرة والحروب فقط، إلى قوة مختلفة في عصر المعلومات العالمي مما حتم على الجميع إدراك التحولات والرهانات التي تواجهها المجتمعات في بعدها المحلي والكوني، وفي زمننا الحالي الذي استفاد من التقدم التكنولوجي والعلمي وطور مهارات التواصل وابتكر الإنسان نظريات إضافية بمفاتيح مختلفة فأصبح التركيز على أحد أهم وأخطر أنواع القوة وهي الناعمة التي تمنح القدرة على تحقيق النتائج التي يريدها المرء للوصول لأهداف عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وهي التي تعني امتلاك القدرات على التأثير في أسلوب الآخرين لجعل كل الأحداث متاحة، وتكتسب الأشياء هويتها لتصبح أدوات في متناول الإنسان، وتحويل الموارد إلى قوة متحققة لها نتائج مدروسة وفق خطط استراتيجية ضمن السياق الذي تسير عليه كل دولة.
فالقوة الناعمة اليوم أمضى وأعم من القوتين العسكرية والاقتصادية، لأنها قوة جذب غير مباشرة، «فالقوة الناعمة عنصر ثابت في السياسة الديموقراطية ووسيلة النجاح في السياسة الدولية كما حدده: «جوزيف ناي» في كتابه، ومن هنا تنبع الأهمية لأنها تحقق أهداف كبيرة بتكاليف منخفضة قياساً بالقوة العسكرية وخسائر الحرب، كما أننا اليوم نعيش تقنيات الواقع والميل إلى التسارع نحو توسيع دائرة النتائج المرجوة، ومن بين أهم الأمثلة الشاهدة على القوى الناعمة في خليجنا العربي والتي أصبحت مؤثرة جداً في العالم، معرض إكسبو كمثال وهذا يعني أننا كمنظومة خليجية ودولة مثل الإمارات متقدمون جدا في التأثير الاقتصادي والتجارة العالمية، وتقييم الآثار المترتبة لهذه القوة في إطار العمل الاستراتيجي المنظم لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، وتأتي هذه الاستراتيجية في ظل تطور هائل لوسائل الاتصال.
وتشير التوقعات إلى استقطاب أعداد كبيرة لهذا الحدث الضخم، فقد فازت دولة الإمارات العربية المتحدة باستضافة معرض إكسبو 2020 دبي، وستكون هذه المرة الأولى التي يُنظم فيها المعرض في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا وتعد إنجازاً مهماً في سجل الدولة يضاف إلى الكثير من الإنجازات الكبيرة تحت شعار: «تواصل العقول وصنع المستقبل». فمنذ أول معرض إكسبو في عام 1851 والذي عُرف باسم «المعرض العظيم»، لا تزال معارض إكسبو من أكبر وأهم الأحداث الدولية.
وعلى امتداد ستة أشهر، تستقطب معارض إكسبو ملايين الزوار الذين يكتشفون أجنحة المشاركين، والفعاليات المختلفة التي يقوم المشاركون بتنظيمها، بما في ذلك دول وشركات ومنظمات دولية، ومن المتوقع أن يجذب معرض إكسبو 2020 دبي أكثر من 25 مليون زيارة خلال فترة انعقاده، سيأتي 70 بالمائة من الزوار من خارج دولة الإمارات العربية المتحدة، وتم افتتاحه في الفترة من 20 أكتوبر إلى 10 أبريل، فكان الافتتاح المبهر حديث العالم وذلك أعطي معنى عميقاً للتقابل بين الثقافة والتقنية التي تنطوي على معان وقيم ثقافية كبيرة ومذهلة.
إكسبو 2020 محطة مهمة في مسيرة تعزيز دور القوة الناعمة للخليج عموماً وللإمارات خصوصاً فهو يزيد من قوة التواصل مع العالم الذي أصبح قرية صغيرة تنتقل فيه رؤوس الأموال والعقول بيسر وسهولة والتنافس اليوم أصبح اقتصادياً بامتياز وجذب المستثمرين والسياح يعتمد على العديد من عوامل القوة الناعمة التي تعد من أهمها وانعكاساتها وتمتد لسنوات طويلة خصوصا بعد أن حققت دول الخليج بشكل عام والإمارات تحديدا نجاحا كبيرا باستيعاب تداعيات جائحة «كورونا كوفيد19» وسيكون هذا المعرض الدولي باكورة تدشين التعافي الاقتصادي المنشود.