د. محمد بن إبراهيم الملحم
لم أحبذ استخدام التعبير الشائع (الفاقد التعليمي) لأن فاقد اسم فاعل يوصف به من فعل الفعل كقولك الشاعر، اللاعب في حين أن ما نقصده بهذا التعبير هو ما فُقِد من التعليم أي الشيء المفقود فيمكنك أن تقول أيضا «المفقود التعليمي» مستخدما اسم المفعول بيد أني اكتفيت بالمصدر «الفقد» التعليمي لأقف في الوسط، وهو بالمناسبة يسمى في الأدبيات التربوية بالخسارة في التعلم Loos in Learning، وحديثي اليوم هو عما يمكن أن يقوم به المعلم لتلافي هذا الفقد أو هذه الخسارة لدى طلابه والتي تسببت بها جائحة كوفيد-19 خلال السنتين المنصرمتين، وكيف يمكنه تعويض النقص، وربما لا يشعر بهذا النقص من كان أبناؤهم وبناتهم في مدارس متميزة سواء من حيث جودة معلميها أو من حيث انضباطها وجديتها في متابعة العمل والاجتهاد في تنفيذ متطلباته بالتغلب على العوائق دون انتظار مساعدات مباشرة من الأعلى، أو هو من حيث تمكن الأهل أيضا وقدرتهم على التعامل مع التقنية وتوفير كل ما يلزم من أجهزة وبرامج لضمان تشغيل مستمر لمنصة التعلم عن بعد فلا يفوت على الطالب أو الطالبة أية دروس. ففي المقابل توجد فئة لم تتمكن من توفير ذلك كما أنها لا تملك ما يكفي من الخبرة للتعامل مع المشكلات اليومية التي تطرأ فجأة دون سابق إنذار ليتوقف الطالب عن سماع صوت المعلم أو العكس أولتتوقف الصورة أو حتى يغلق الجهاز فجأة. أنا شخصيا لجأت إلى زوجتي أكثر من مرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوقت نتيجة لتوقف شيء ما في جهاز أحد أبنائي، ولأني متمكن من الحاسب فإني أجد ما واجهته أحيانا سيكون محيرا جدا لبعض الأشخاص الذين خبرتهم أقل مني وربما لا يتمكنون بأنفسهم من حل المشكلة إلا بعد ساعتين أو ثلاث وربما اضطروا لأخذ الجهاز للفني ليذهب ذلك اليوم كله.
كل هذه وغيرها أسباب مهمة لتراكم مفقود تعليمي كبير لدى كثير من الطلاب مما يجعل تعلمهم هذه السنة مع عودة الدراسة محفوفة بكثير من الاضطراب، وهنا يبدر سؤالنا: كيف يمكن للمعلم تلافي هذا النقص أو تعويض هذه الخسارة؟ الجواب يكمن في تصرف غير تقليدي ينبغي للمعلم أن يبادر إليه وهو متعلق بالمحتوى، حيث هنا يحتاج المعلم أن يقوم بدور مصمم المناهج فيعمد إلى حصر كل المهارات «الأساسية» التي تضمنها كتاب السنة السابقة (سنة الفقد التعليمي لطلاب صفه) وأقول»الأساسية» لأنه لا يلزم أن يحصر كل مهارة وإنما تلك التي لا يمكن الاستغناء عنها لاستيعاب دروس السنة الحالية، وبعد ذلك يقوم بعمل اختبار تقييمي «غير رسمي» شمولي يتضمن كل هذه المهارات ويقدمه للطلاب (وإذا كانوا طلاب مراحل أولية فإنه يسألهم شفويا بدلا عن ذلك) ثم يحلل نتائج هذا الاختبار على تصنيفين رئيسين: الأول هو المهارات والمعارف التي أخفق أغلب الطلاب فيها، فهذه يجدول لها حصصا لكل طلاب الفصل يشرح فيها هذه المهارات قبل أن يبدأ دروسه المرتبطة بها، والثاني المهارات والمعارف التي أخفق فيها بعض الطلاب فهؤلاء يتم التعامل معهم واحدا واحدا بحيث يقدم لكل منهم محتوى مرتبطا بالمهارات والمعارف التي أخفق فيها ويطلب منه دراسة هذا المحتوى أوالاطلاع عليه، ويفضل أن يكون هذا المحتوى فيديو تعليميا مميزا لهذا الموضوع، مع تكليف الطالب بحل أسئلة متدرجة في السهولة خلال الأيام القادمة لتقييم مدى تقدمه في التعلم الذاتي، ويمكن للمعلم أن يستعين بما توفره منصة قناة عين في هذا المجال، ويمكنه لما لا يتوفر أن يسجل هو بنفسه فيديو خاصا بتلك الدروس ويقدمها للطلاب.
لاشك أن معالجة الفقد التعليمي تنطوي على كثير من العمل والجهد سواء للمعلم أو الطالب ولكنها ضرورية جدا لتلافي آثار الجائحة سواء أثناء الإغلاق التام في سنتها الأولى أو نتيجة لمشكلات الوصول للمنصة في سنتها الثانية، ولن أستغرب في الواقع لو اكتشف المعلم أن بعض الطلاب حدثت لهم خسارة تعليمية لما قبل سنتين بسبب نقص التعامل مع المهارات الأقدم نتيجة لقلة التفاعل التعليمي لظروف التعليم غير النمطي الذي مر به كل من المعلمين والطلاب، لعلكم تلاحظون ان التعامل مع الفقد التعليمي قوامه التقويم فهو المرتكز الذي ينطلق منه أما أداته التنفيذية فهو المحتوى والانتقاء منه (فليس الفقد في كل جزء من المحتوى يتطلب التعويض) وهنا يلبس المعلم طاقية مصمم المناهج ليحدد ما الذي يحتاجه ويذهب به للطالب. أرجو أن أكون قدمت للمعلم ما يفيده هنا.. ومع ذلك أعتقد أن ولي الأمر يمكنه كذلك أن يطبق ما تقدم بنفس المبدأ إذا كان لديه إلمام مناسب بموضوع المادة.
** **
- مدير عام تعليم سابقا