خالد بن حمد المالك
يبدو أن القامات الأدبية والثقافية ذات الصوت والصيت والتأثير الكبير قد اختفت أو تكاد بوفاة الأديب الشاعر والصحفي الأستاذ الكبير عبدالله بن إدريس، إذ كان الموت على مدى العقود الماضية حاضراً في زياراته المتكررة لكل الرعيل الأول من الأدباء واحداً بعد الآخر، ليكون آخر العمالقة -ربما- شيخنا عبدالله بن إدريس.
* *
بدأت شهرته المبكرة حين أصدر كتابه «شعراء نجد المعاصرون» جمع فيه أطيافاً من الشعر لبعض شعراء نجد، مع دراسة مقتضبة لكل واحد منهم، ليواصل حضوره الأدبي شاعراً وكاتباً وصحفياً ومؤلِّفاً ومحاضراً، في أكثر من ميدان، وفي كثير من المواقع، في الداخل والخارج.
* *
كان -رحمه الله- صاحب مبادئ لا يحيد عنها، ولا يتنازل عن قناعاته بها، ومن كان يقرأ افتتاحية صحيفة الدعوة حين كان رئيساً لتحريرها، سيجد هذا النفس الجريء في مقالاته، وهذا التمسك القوي بما يؤمن به، مما أكسبه متابعين كثراً، يقرأون له بذائقة عالية، مشدودين إلى أسلوبه، وجمال عبارته، وقوة حجته في وجهات نظره.
* *
وقد شكَّل عبدالله بن إدريس مع جيله من الأدباء نواة لمعانقة الأدباء العرب في توظيف أقلامهم للدفاع عن قضايا الأمة العربية المصيرية، وفي طليعتها قضية فلسطين، خلال فترة كانت أغلب الدول العربية ترزح تحت نير الاستعمار، مما كان لذلك أثره في تحريرها من العبودية، وتخليصها من التسلّط الاستعماري البغيض، وكان فقيدنا بشعره ونثره حاضراً بقوة، ومشاركاً في تحريك الشارع العربي كغيره من الشعراء والكتَّاب والأدباء العرب.
* *
ولم يظهر لي من خلال معرفتي بالمرحوم أن هذا التميز في الفكر والثقافة قد صرفه عن كل ما له علاقة باهتماماته الاجتماعية، فقد كان منزله عامراً بالزيارات، حيث التواضع، والكرم، والوجه الباسم، يحيط به أبناؤه البررة، ويشاركونه الترحيب بالزائرين.
* *
وعبدالله بن إدريس لو لم يكتب إلا قصيدته في رفيقة عمره -زوجته- التي تمنى أن يسبقها في الوفاة لكفى، فقد أغدق عليها من الصفات، ومن صور الوفاء، ومن التكريم المستحق لها، ما لا يقوله بهذه اللغة العاطفية الجميلة إلا شاعر كبير، وأب صالح لأسرة شاركته زوجته في تربية أفرادها وإعدادهم للمستقبل، بمثل ما نراهم عليه الآن.
* *
وبوفاته تكون الساحة الثقافية والأدبية، قد فقدت أحد المثقفين الكبار، وخسرت واحداً من الشعراء البارزين، وإن كان -رحمه الله- قد انكفأ على نفسه، وغاب قلمه خلال السنوات الماضية، بحكم الشيخوخة والمرض، لكن بقاءه كان يؤنس محبيه، ويذكر -وهو الحاضر بيننا - ما كان يقدّمه من عطاء، لكننا بالتأكيد لن ننسى هذا التاريخ في حياة الفقيد.