رمضان جريدي العنزي
إن من أهم الإشكاليات التي يعيشها الناس على مختلف مستوياتهم العلمية والثقافية والاجتماعية، هي إشكالية التناقض بين التنظير والتطبيق، إن التطبيق عندي أهم بمراحل من التنظير، فالكلام المعسول، والعبارات الفاخرة، والشعارات الرنانة، والحب والود والرحمة والإخاء والعطف والتسامح والتغافل وصلة الرحم والمبادرة والإيثار، إن لم يتم تطبيقها على أرض الواقع بصورة صحيحة وسليمة وعميقة، لا تعني شيئاً مطلقاً، وتبقى مجرد فقاعات تطير في الهواء، إن مثالية التنظير ووهن التطبيق يصنع إشكالية كبرى في الحياة العامة، إن المثالية المبالغ فيها، ووهن وضعف تنفيذها لا تجعل للواقع لذة ولا متعة، إن أفلاطونية التنظير مجرد فلسفة فاخرة، وتخيلات عقلية، وهذيان فكري، إن لم يصاحبها فعل حقيقي وتنفيذ حرفي نابع من ضمير حي غير قابل للموت والتحول والتبدل، إن الذي يمر على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعيش الواقع مع بعض المنظرين يرى العجب العجاب، والبون الواسع بين تنظيرهم المخملي، وتطبيقهم الجاف، فلا هم وردوا الماء، ولا كسبوا الغنيمة، إن المنظرين لو عملوا بما ينظرون لكان لهم شأن وموقع ورفعة، ولارتقت المجتمعات بهم وبأطروحاتهم، إن من لا يملك القدرة على تنفيذ تنظيره وأطروحاته، لا يجوز له ان يصدر التنظيرات بل عليه أن يتوقف حفاظاً على ماء الوجه، وبقية الحياء إن وجد عنده، إن الابتعاد عن الاجتهادت التنظيرية واللفظية والخيالات والتهويمات والهلاميات أمر مطلوب، إن الأفعال فقط للفرسان على أرض الميدان، وليست للمنظرين من خلف شاشات صغيرة ومواقع مختلفة وفق كلام (بلاش) صادر من عقلية فارغة لديها تراكمات نفسية نتيجة ظروف متنوعة، إن التنظير المجرد عن الواقع ليس من الحقيقة في شيء، بل هو كلام مقيت وباهت مثل شجرة ميتة في أرض يابسة، إن كثيراً من المنظرين ينظرون في مختلف الأشياء، ويرون أنفسهم بذلك بأنهم أحسن الناس، وأرقى الناس، وأفهم الناس، وأدرى بشؤونهم من أنفسهم، ولكن إذا ما محصنا النظر، ودققنا في الأفعال رأينا العجب العجاب، فلا هم فعلوا ولا طبقوا ولا مارسوا ما يقولون به وينظرون، فكثيراً منهم ممن خاض في مجال التنظير المتنوع كالمثاليات والأخلاقيات والسلوكيات والأعمال الفاضلة والبر والأحسان، هو أكثر من يبخسها حقها في الفعل والتطبيق، ويفرط فيها عملاً وفعلاً، وتبقى تنظيراته مجرد عمياء صماء جوفاء لا تجدها إلا في عقله أو حبسة أفكاره، إن هؤلاء لم تجاوز كلماتهم حناجرهم، لهذا فشلوا وانكشفوا وبانت حقيقتهم المجردة، وعليهم بناء على ذلك أن يفعلوا ما يقولون، ويطبقون ما ينظرون لكي يكونوا صادقين رائعين ومثاليين ويحتذى بهم.