«الجزيرة الثقافية» - محمد هليل الرويلي:
أوضح مؤسس ورئيس (مجمع اللغة الافتراضي) لخدمة اللغة العربية بالمدينة المنورة (أ. د. عبدالرّزاق الصاعدي) أنّ التصنيف في تراجم العلماء نهج قديم، قدم الثقافة العلمية العربية، التي ازدهرت منذ القرن الثاني الهجري، وظهر مبكرًا علم الرجال والطبقات في علم الحديث وغيره من العلوم، وبلغ التأليف في هذا الفن مرحلة النضج في القرن الرابع، إذ استقلّت الفنون بتراجم رجالها، وكان لكل فئة من أهل العلم مصنّفاتهم الخاصة التي تحصي أعلامهم وتحصي مؤلفاتهم، ولم تزل الأجيال المتعاقبة بعد القرن الرابع تُصنّف في تراجم أهل العلم، جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن، إلى يومنا هذا، وكان لأهل اللغة والنحو عناية خاصة بهذا النوع من التأليف، فألف في هذا الفن أكابر العلماء، كالمبرد وثعلب وابن درستويه، ولهم فيه مصنفات، ذكرها ياقوت في معجم الأدباء، أتت عليها عوادي الزمن، ومن أشهر ما وصل إلينا في تراجم اللغويين والنحويين: أخبار النحويين لأبي طاهر المقرئ (349هـ) ومراتب النحويين لأبي الطيّب اللغوي (351هـ) وأخبار النحويين البصريين لأبي سعيد السيرافي (368هـ) وطبقات النحويين واللغويين لأبي بكر الزبيدي (379هـ) ثم نقفز قرنين فيطالعنا كتاب نزهة الألباء لأبي البركات الأنباري (577هـ) وفي القرن السابع نجد إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي (646هـ) وفي القرن الثامن إشارة التعيين في تراجم اللغويين والنحويين لعبدالباقي اليماني (743) وفي القرن التاسع البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة للمجد الفيروزي (817هـ) وطبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة (851هـ) وبغية والوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي (911هـ) شرع فيه سنة 868هـ وهي في جملتها أعمال عظيمة حفظت للأجيال تاريخ الرجال العظماء الذين أسسوا علم العربية وسكبوا في نهره ماء العلم عبر القرون بمؤلفاتهم المتنوعة.
* الباعث وفكرة المعجم
وعن الفكرة التي دفعت لإنشاء هذا المعجم كشف الدكتور الصاعدي: لقد كان الباعث لفكرة هذا المعجم, افتقار عصرنا إلى معجم يترجم للغويين والنحويين في المملكة العربية السعودية، وهي دولة كبيرة فيها مئات اللغويين والنحويين النابهين، الذين ذاع صيتهم ووصل بعضهم إلى عضوية المجامع العربية، ومع كثرتهم وشهرتهم وكثرة مصنفاتهم وأبحاثهم لا نجد كتابًا يجمعهم ويترجم لهم، فآمل أن يكون هذا المعجم مشروعا ثقافيا وطنيا، يسد فراغا في بابه ويترجم لأهل العلم من هذه الفئة، الذين عاشوا في الدولة السعودية الثالثة، الأحياء منهم والأموات، وقد وضعت لبنته وشرعت فيه سنة 1994م وجمعت تراجم عديدة بخطوط أصحابها، بعضهم توفاه الله، كالفريق يحيى المعلمي والدكتور عوض القوزي والدكتور عبدالله الحسيني البركاتي والدكتور محمد العمري، رحمهم الله جميعا، وثم شُغلت عن المضيّ في إتمام المعجم بأعمال أكاديمية، وأسعى اليوم إلى بعثه وإحيائه، وإخراجه في كتاب حافل يليق بهذه الفئة من أهل العلم في بلادنا، يجمع سيرهم ويرصد مؤلفاتهم وبحوثهم، وهم كُثُر، وأبحاثهم وكتبهم عديدة ومتنوّعة في علوم العربية، وآمل أن يكون الكتاب مرجعًا حافلا في بابه، إن شاء الله.
* بدأ بنشأة المملكة عام 1319هـ إلى وقت طباعة المعجم
وأضاف: ويحدّد العنوان المقترح لهذا المعجم الإطارين الزماني والمكاني، فهو معجم للغويين والنحويين في المملكة العربية السعودية، من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، وأما الزمان فيبدأ بنشأة المملكة في عام 1319هـ إلى وقت طباعة المعجم، فمن أدرك تلك السنة واشتهر بأنه لغوي أو نحوي، وألف في أحدهما شيئا، أو نال في اللغة أو النحو أو اللسانيات درجة الدكتوراه فهو جدير بأن يترجم له، وترصد بحوثه ومؤلفاتها في اللغة وعلومها.
وزاد: حين عزمت على تنفيذ الفكرة كان أمامي طريقان، الأول: الاقتصار على الأعلام من اللغويين والنحويين، أعني المشهورين الكبار، والاكتفاء بهم، والآخر: الترجمة لكل اللغويين والنحويين، فاخترت الثاني؛ لأنّ من أهدافي في هذا المعجم حصر النتاج اللغويّ لهم، ولا يكون هذا إلا بالترجمة لهم جميعا، فكان الحدُّ في هذا أن يُعرف عن صاحب الترجمة بأنه من أهل اللغة، أو ممن صنّف فيها كتابًا أو أكثر، أو من الحاصلين على درجة الدكتوراه فيها، وهم- في الغالب - يكتبون أبحاثًا بعد الدكتوراه، ضمن متطلبات الدرجة الأكاديمية في الجامعة، والحاصلون على الدكتوراه في اللغة أو النحو أو اللسانيات كثر في بلادنا، وكثير منهم مبرّزون في تخصصهم، وبعضهم من الأعلام.
وإنّ في تاريخنا المعاصر علماء في اللغة والنحو لا يعرفهم أحد اليوم، أو يُعرفون على نطاق ضيّق، فمن المتقدمين على سبيل المثال الشيخ بابصيل، وهو من شيوخ أحمد عبدالغفور عطار، ويعدّ إمامًا جليلاً في العربية في زمانه، ومنهم إبراهيم الفتّة، وله مثلّثة في اللغة وكشف الحجاب شرح ملحة الإعراب في زهاء 36 ملزمة (سير وتراجم لعبدالله عبدالجبار 62) ومنهم عثمان الراضي ت 1331هـ ومحمد بن حسين المالكي، ومحمد أحمد العمري الواسطي ت 1365هـ وعمر إبراهيم برّي، وإبراهيم غزاوي، مؤلف شذرات الذهب، ومحمد مختار الشنقيطي المفسر النحوي المدني صاحب أضواء البيان، وهو بارع في النحو والتصريف، ومحمد أحمد العقيلي، له كتاب اللهجات في جازان، ومن المتأخرين عبدالرحمن بن علي التركي العمرو، وصالح بن سليمان العبيكي، وهنالك أكاديميون لا يكاد يعرفهم إلا طلابهم وزملاؤهم وبعض المشتغلين بعلوم العربية، لزهدهم وتواضعهم، مع علمهم وفضلهم ونباهتهم، ومن حقهم اليوم أن يكونوا في المعجم، ومن حقّ طلبة العلم أن يعرفوهم، وأن يعرفوا نتاجهم العلمي ونشاطهم البحثي.
* رصد خطوط اللغويين والنحويين
وحول أبرز الأهداف الذي يضمنها مشروع معجم الترجمة وحصر نتاجات الأدباء السعوديين. قال الدكتور عبدالرزاق الصاعدي: أسعى في هذا المعجم – فوق الترجمة وحصر النتاج العلمي - إلى رصد خطوط اللغويين والنحويين، والخطوط أرزاق وحظوظ، ورأيت الزركلي – وهو قدوة المترجمين - يقول في مقدمة معجمه العظيم الأعلام: «والخطوط إلى جانب قيمتها الأثرية، فِلَذٌ من أرواح أصحابها أَبَديّة الحياة، يكمن فيها من معاني النفوس ما لا تعرب عنه صور الأجسام» (الأعلام 1/ 16)، والعناية بالخطوط قديمة، وكان النديم في الفهرست حريصا على خطوط العلماء، وذكر في الفهرست أن رجلا كان بمدينة الحَدِيثة، يقال له محمد بن الحسين، أخرج له قمطرا كبيرا، خصّه به رجل من أهل الكوفة، فيه قطعة من الكتب العربية في النحو واللغة والأدب والكتب القديمة، وقلّبه النديم فرأى عجبا إلا أن الزمان قد أخلقها وعمل فيها عملا أدرسها وأحرفها، وكان على كل جزء أو ورقة أو مدرج توقيع بخطوط العلماء واحدا إثر واحد، فذكر فيه خط من هو وتحت كل توقيع توقيع آخر خمسة وستة من شهادات العلماء على خطوط بعض لبعض. قال النديم: ومات الرجل ففقدنا القمطر.
* رسالة الصاعدي:
وفي نهاية حديثه وجه أ. د. (عبدالرزاق الصاعدي) رسالة إلى جميع اللغويين والنحويين السعوديين قال فيها: من هذا المنير (المجلة الثقافية) أوجّه رسالتي هذه إلى جميع اللغوين والنحويين السعوديين في التخصصات اللغوية (النحو والصرف وأصول اللغة واللسانيات والعروض) وآمل منهم أن يكرموني بسيرهم العلمية، وأن يرسلوا التراجم إليّ بصيغة (ملف وورد) بواسطة البريد الشبكي: Trjamaat@gmail.com أو بواسطة (الواتساب).