أ.د. حمد بن ناصر الدخيِّل - الرياض - المجمعة:
ترجع معرفتي برابطة الأدباء في الكويت منذ أن كنت طالباً في المرحلة الجامعية، وكانت مجلة البيان خير سفير للرابطة وللأدب الكويتي خارج الحدود، تعبر عن نشاطهما، وتسهم في نشر الإبداع الأدبي من مقالة، وقصة، ومسرحية، وشعر، إضافةً إلى الدراسات الأدبية والنقدية. وأتاحت للمواهب الأدبية نشر إنتاجها الذي صافح عيون القارئ العربي في أقطاره المختلفة منذ عدة عقود. وحين رجعتُ إلى ركن المجلات في مكتبتي وجدت أنني أحتفظ ببعض الأعداد القديمة من المجلة ذات القطع الكبير. ورأيت أنها لم تقتصر على نشر ما يبدعه الأدباء والمثقفون الكويتيون في فنون الأدب ودراسته ونقده، بل فتحت بوابة النشر لأقلام الأدباء والكتَّاب العرب، وهذا الاتجاه أكسبها شهرة عربية واسعة، ورأيت أن أكثر من كانوا يكتبون فيها نعدهم أساتذة لنا في فن الأدب، نقرأ لهم، ونرجع إلى مؤلفاتهم، ومجالي إبداعهم، وبعضهم يصنفون رواداً في الأدب والنقد. واستمرت المجلة في الصدور منذ العدد الأول الذي صدر في شهر نيسان (أبريل) عام 1966م دون انقطاع، ما عدا توقفها خلال الغزو العراقي الغاشم، وصدر منها حتى كتابة هذه الأسطر - فيما أقدر - 600 عدد. وأسهمت طوال مسيرتها التي امتدت خمسة وخمسين عاماً، وبهذه الكثرة المتنامية من الأعداد في تربية الذوق الأدبي، وتكوين الوجدان الإنساني الراقي، وفي نشر الثقافة الأدبية المتميزة، ورعاية المواهب الأدبية وتوجيهها، والإسهام في تكوين الأدب الكويتي وإثرائه.
وأعد هذا العمر الطويل المستمر ميزة امتازت بها مجلة البيان على كثير من المجلات الأدبية، رغم ما أحرزته هذه المجلات من تفوق وانتشار، وأثر في الحركة الأدبية في العالم العربي، فمجلة الرسالة التي أصدرها أحمد حسن الزيات لم تمكث في إصدارها الأول المتميز سوى عشرين عاماً (1933 - 1953م)، ومجلة الأديب اللبنانية لصاحبها الأديب اللبناني ألبير أديب (1908 - 1985م) استمرت نحو أربعين عاماً (1942 - 1983م، وتوقفت قبل وفاته بعامين. وكانت المجلتان من أشهر المجلات الأدبية في البلاد العربية قاطبة، ولكنهما قائمتان على الجهد الشخصي لصاحبيهما، واعتمدتا في تمويلهما على الإعلانات والاشتراكات، ولم يتلقيا دعماً رسميّاً من الدولة.
ولا يفوق مجلة البيان في امتداد العمر سوى مجلة العربي التي صدرت عام 1958م، ولا تزال، وقبلهما مجلة المنهل التي صدرت عام 1355هـ، وما فتئت توالي الصدور، ويتماثل عمر مجلة البيان مع عمر مجلة العرب للأستاذ حمد الجاسر، فكلتاهما صدرتا في عام واحد.
والعمل في رابطة الأدباء الكويتيين تطوعي، وأصر أدباء الكويت ومثقفوها على استمرار الرابطة والمجلة؛ لأنهما تمثِّلان الوجه المشرق لأدب الكويت منذ بضعة عقود من الزمن.
والمجلات الأدبية في العالم العربي تعاني شُحّاً في التمويل، وضعف الإقبال عليها، بخلاف المجلات المصورة المتنوعة في طروحاتها وموادها، فمجلة العربي - مثلاً اكتسبت شهرة واسعة في أقطار العالم العربي، ولا تزال، وعرفها القراء العرب من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي (بحر الظلمات).
استهللتُ مقالتي بهذه الإضاءة الموجزة عن مجلة البيان الكويتية عرفاناً بالهدية الأدبية القيمة التي تلقيتها من الرابطة بمبادرة شخصية من الأخ الكريم الحقوقي الأديب طلال بن سعد الرميضي الأمين العام للرابطة، والمشرف على المجلة سابقاً، الذي أنبأني أنه ترجَّل عن قيادة الرابطة والمجلة بعد عمل تطوعي استمر عشرة أعوام. تمثَّلت هذه الهدية في ثمانية وثلاثين إصداراً من إصدارات الرابطة، واثني عشر عدداً من مجلة البيان، من العدد 565 إلى العدد 576، أضفتها إلى الأعداد القديمة القليلة التي ازدانت بها مكتبتي.
وترجع صلتي بالأستاذ طلال الرميضي منذ بضع سنوات حين اشتركت معه في حلقتين من برنامج (فضاءات عربية)، مدة كل حلقة نحو ساعة، والبرنامج إذاعي مشترك بين إذاعة الرياض والإذاعات العربية، وكانت الحلقتان بين إذاعة الرياض وإذاعة الكويت، وكان ممثلاً لإذاعة الكويت، وكنت ممثلاً لإذاعة الرياض، وكان موضوع الحلقتين عن قضايا الثقافة في المملكة والكويت، والموضوع طويل متشعب. واللذان يجريان الحوار مذيع من إذاعة الرياض، ومذيع من إذاعة الكويت.
أما ظروف إهداء هذه النخبة المختارة من منشورات الرابطة، فكان لها مناسبة وسبب؛ فقد جمعتني به مأدبة غداء مع بعض زملائه أقامها الأخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الحيدري، رئيس نادي الرياض الأدبي سابقاً، والأخ الكاتب سعد بن عايض العتيبي على هامش معرض الرياض الدولي للكتاب، وجرى الحديث - كالعادة - في شؤون أدبية وثقافية، ومن ضمنها الحديث عن رابطة الأدباء في الكويت، وما تمارسه من نشاط أدبي وثقافي عبر إصداراتها ومجلتها ومنتدياتها، ووعد -مشكوراً - بتزويدي بطائفة من منشوراتها حينما يصل إلى الكويت، وأهديت للرابطة نسخاً مما توافر لدي من إصداراتي. ووفى بوعده، مقدراً له هذا الوفاء.
وإصدارات الرابطة التي سعدت بتلقيها يمكن إدراجها في موضوعين رئيسين: دراسات أدبية ونقدية وثقافية سواء عن فنون أو شخصيات، وفنون إبداعية تناولت الشعر والقصة والمسرح؛ فمن الدراسات الأدبية: الحركة الأدبية والفكرية في الكويت، للدكتور محمد حسن عبد الله، وهو كتاب منهجي شامل في موضوعه، خاص بالنثر وفنونه، ولم يعرض للشعر، وحجة المؤلف في ذلك ضخامة الكتاب، ولأن كثيرين من أدباء الكويت كتبوا عن الشعر والشعراء في وطنهم. وهو مرجع مهم لمن أراد أن يطلع على النهضة الأدبية في الكويت منذ بداياتها الأولى.
ويرفده كتاب الثقافة في الكويت، للدكتور خليفة الوقيّان، ولا يغني عن هذا الكتاب كتاب آخر فيما بحثه ودرسه، فقد انفرد بمباحث جديدة لم يعرض لها الكتاب السابق، ويعد كل من الكتابين مكملاً للآخر في الموضوع والمضمون.
ومن الدراسات التي اتجهت إلى دراسة فن محدد من فنون الإبداع الأدبي كتاب الأجنحة والشمس، للدكتورة نجمة إدريس، وهو دراسة تحليلية لعدد من النصوص القصصية التي أنتجها مبدعون كويتيون في فن القصة. وسبق أن أهدتني المؤلفة نسخة من الكتاب بتاريخ 29-3-2000م، مع نسخة من مجموعة شعرية صغيرة، عنوانها (مجرة الماء)، وذلك في مناسبة انعقاد (ندوة إستراتيجية الثقافة والتنمية، ودور كليات الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي) في رحاب كلية الآداب بجامعة الكويت في المدة من 21 - 23/12/1420هـ، الموافق 27 - 29/3/2000م. بدعوة كريمة من الأستاذ الدكتور عبدالله أحمد المهنا عميد كلية الآداب آنذاك - رحمه الله - وتضمنت المجموعة المهداة دراستين في الشعر هما: الشعر والقومية، أربعة أصوات من الخليج والجزيرة، للدكتور محمد حسن عبد الله، وبوصلة الجهات العشر، المشهد الشعري في الكويت، التسعينات نموذجاً، لسعد الجوير، تضاف إلى هاتين دراستان في المسرح هما: المسرح الخليجي، تأثره بالمسرح العربي والعالمي، للدكتور محمد حسن عبد الله، والعرب وتأصيل المسرح للدكتور خالد عبد اللطيف رمضان.
ومثلت الدراسات التي عنيت بالأدباء والمبدعين الكويتيين في الشعر والنثر، في كتاب مستقل لكل أديب، ولكل مبدع ثلاثة عشر إصداراً، وهي نسبة عالية من بين قائمة المجموعة. ومجال المقالة يضيق عن أن أذكر هذا العدد على نسق ما ذكرت من إصدارات، وللتمثيل أشير إلى أربعة كتب، وهي: أحمد العدواني، للدكتور سليمان الشطي، وسليمان الخليفة، وعبد الرزاق البصير: حياته وأدبه، للدكتور عبد الله القتم، وسبق للزميل القتم أن أهداني نسخة من الكتاب، ونسخة من كتابه ليلى محمد صالح بين الشوك والإبداع الذي نشرته الرابطة، وهو من ضمن الكتب المهداة. والأديب البصير التقيت به في إحدى مناسبات جامعة الكويت قبل وفاته - رحمه الله - بمدة ليست طويلة، وعلمت أنه كان معجباً إعجاباً شديداً بطه حسين وأدبه، ويشاركه في هذا الإعجاب الأديب السعودي الدكتور محمد بن سعد بن حسين - رحمه الله - والثلاثة يشتركون في الإعاقة البصرية.
والكتاب الثالث أحمد السقاف القابض على جمر الإبداع، والكتاب الرابع عبد الله الطائي (1924 - 1973م) حياة ووثائق.
وللإبداع الأدبي نصيب كبير فيما أهدته الرابطة؛ إذا احتوت المجموعة عشر مسرحيات نثرية، أبدعها مسرحيون كويتيون، هم: عبد العزيز السريع (مسرحيتان)، عبدالرحمن الضويحي، سليمان الخليفي، عبد الحسين عبد الرضا، محمد السريع، صالح موسى، الدكتور حسن يعقوب العلي، حسين الصالح الحداد، صقر الرشود.
وتضمنت المجموعة ديوان (نجوم تتلألأ)، للشاعر منصور سالم العازمي، وقصائده من الشعر العمودي، وإشراقات: نصوص شعرية وقصصية لأعضاء منتدى المبدعين الجدد، ومجموعة قصصية بعنوان (تحت برج الحمام)، لبسام المسلم.
وما ذكرته من كتب، وما أشرت إليه كله في الأدب الكويتي. وفي المجموعة ثلاثة كتب تعالج موضوعات غير موضوع أدب الكويت، هي: تجليات الأنا في شعر ابن الفارض، لعباس يوسف الحداد (رسالة ماجستير)، والمبهمات ودلالاتها الأسلوبية في شعر المتنبي، لحميدة مناع العنزي (رسالة أكاديمية)، ورسائل البشري في السياحة بألمانيا وسويسرا في سنة 1889م، لحسن توفيق العدل، معلم اللغة العربية في المدرسة الشرقية في برلين، وأول من ألف كتاباً في تاريخ الأدب العربي باللغة العربية، دراسة وتحقيق: الدكتور محمد حسن عبد العزيز.
وختمت المجموعة بنسختين من كتاب: خمسون عاماً على تأسيس رابطة الأدباء الكويتيين توثيق وقائع احتفالية 13 - 14 مايو 2014م (اليوبيل الذهبي). وهو سجل حافل لنشاط الرابطة خلال خمسة عقود.
والمجموعة تمثِّل جانباً من ذاكرة الكويت الأدبية والثقافية، وتقدم للقارئ شريحة كبيرة من إسهام الرابطة في خدمة الأدب الكويتي والثقافة الكويتية والأدب العربي.
ولا أعدو الحقيقة حين أقول: إن كل كتاب يستحق دراسة أو بحثاً يصلح كل منهما أن يكون موضوعاً لترقية أكاديمية. وما تلقيته إضافة كبيرة للمكتبة الكويتية في مكتبتي التي بدأت تتنامى منذ عقود، منذ أن حصلت على مطبوعات وزارة الإرشاد والأنباء (وزارة الإعلام) التراثية، بتواصل خطي مع الأستاذ رضا يوسف الفيلي - رحمه الله - مدير المكتب الفني بوزارة الإعلام آنذاك. وبعض منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الذي أتاح لي في زيارة مقره، أن أختار ما أشاء من مستودعه الحافل بالإصدارات المتنوعة، من أهمها مغنى اللبيب لابن هشام في ستة أجزاء، ومركز البحوث والدراسات الكويتية الذي تلقيت معظم إصداراته، وما أهداه إليّ بعض أساتذة كلية الآداب بجامعة الكويت، وما اقتنيته من معارض الكتاب. وكان لهذه الإصدارات أثرها في اطلاعي على معالم الأدب والثقافة والتاريخ في الكويت، والحركة العلمية والفكرية منذ أن نشأت إمارتها في منتصف القرن الثامن عشر بتولي صباح الأول مقاليد الحكم فيها، أو قبل هذا التاريخ بنحو مائة وتسعة وثلاثين عاماً في أحد الأقوال.