«ا»
منذُ «بعد آخر» وحتى «كلمات مائية»، مروراً بـ «فيها قولان» و«ترييض» و«وقوفاً بها».. منذُ سبعينيّات القرن الماضي حتى اللحظة الحاضرة، ما يزال أستاذنا محمد العلي مضيئاً دفّاقاً. قلمُه دائمُ الجريان. لا يتوقف. لا يسكن ولا يهدأ، ولا يمرُّ به معنى الركود. لا يأسنُ.. لا يأسن. دورةُ التجدّدِ تملأُ حبرَه أبداً. حياتُهُ في هذا الحبر. حياتُهُ في هذا السيّال يخطُّ به موقفاً، ويرسمُ رؤيةً ويفتح نوافذَ غزيرةً لعينٍ تملكُ البكارةَ الأولى؛ إبداعاً وفكراً ونقداً.
«ل»
... إنّما جاء ليخضّ المشهد
بكتابتِه القلِقَةِ التي لا تنزعُ إلى اطمئنان ولا تفزعُ إلى ظلٍّ ظليل.
على الضدِّ من الامتثالِ والسّكون. بفرسِ حرفٍ جَموح تأبى السياجَ وتنفرُ من الحواجز، تمضي به العقودُ؛ عقداً بعد عقد.. منجِزاً الأشواطَ؛ شوطاً يتلوهُ شوط. لا ينالُ منه تعبٌ ولا يقعدُ به إعياء. العُرْفُ في الريح واللهبُ يتبعُه. شَرَرٌ يتطاير وللكلمةِ خُطّاف. لم يخذلْهُ القلم في مِرانِ العمر ونِزالِ العقبات. هواؤُهُ المستقبل والضفّةُ الأخرى مبتغاه.
«ع»
هو الذي يبذرُ، فلا يلتفت.
يشتلُ، فلا يشغلُهُ أمرُ الحصاد.
يداهُ في الطين؛ في نعمةِ التكوين.
لم يأنس إلى اسمِهِ على غلافِ كتاب. روحُهُ لا تريدُ له مقبوضاً بين دفَّتَيْن.. وعقلُهُ لا يصغي إلى نداءِ «ترْكِ الأثر» في عهدةِ ناشر.
خمسون عاماً ويزيد، الرائدُ في كبسولتِهِ الصحفيّة هائماً في بحر الجرائد والمجلات.. وفي ما بعد بينَ شعابِ النت. ورقتُهُ هناك مخضرّةً تزهو، مصقولةً بالمسافةِ مطلولةً بزرقةِ الينابيع.
«ل»
خمسون عاماً ويزيد ينبغي أن تعاند الخفاء. قال الأصدقاء بإصرار.
خمسون عاماً ويزيد من الثراء والتنوّع جديرةٌ أن تمثل - بكاملها وبنضارةِ قوسِ قزحِها البهي - أمام الأجيال. قال المحبّون بإخلاص.
تلك شهادته التي تبتّلَ فيها خمسين عاماً ويزيد، يرفعُ خلالها عِمادَ كتاباتِهِ تجربةً عميقةً وتاريخاً ناصعاً وضميراً ثقافياً نادراً، حَرِيٌّ بها أن تكون بين الناس وعلى أرفف المكتبات. هتفَ مريدٌ بشغف؛ فانطلقَتْ دورةُ الجَمْعِ الجميل. أصبح «لا ماء في الماء» تلقاء أعيننا.. ولدينا مجموعة مجلّدات هي جنَى العمر وعرقه والخلاصة المقطّرة يتراءى فيها التأسيس والريادة والمشروع؛ موشورُ التحربة بما يقول الطَّرْق على جدار الوعي؛ الرهان.. الجمرة حيث القابض عليها منذ خمسين عاماً ويزيد.
«ي»
طوبى لمنارةٍ يسعى إليها الساعون ويبحر نحوها المبحرون.
طوبى لمن آختْهُ الصخرة، وقالت له: نحن من ذلك الجبل.
طوبى لمن شمّرَ ولم يتأخّر عن الدرس.
طوبى له في غمرةِ الحبر، نديّةٌ يداه؛ يُغاثُ بالجمرِ ولا تكفّ عنه الأسئلة.
** **
- عبدالله السفر