إلى المفكِّر والشاعر الكبير (محمد العلي)
على شرفة (التسعينيَّات) من العمر
لَكَ الخاطرُ العنقودُ والفكرةُ الخمرُ
يُساوِرُكَ المعنى فيسري بهِ السُّكْرُ
قواريرُ في قَبوِ المزاجِ جَمَعْتَهَا
مُعَتَّقَةً من فَرطِ ما مَسَّها السِّحرُ
قصائدُ في قِدْرِ المجازِ طَهَوْتَها
قديمًا، ولم تبرحْ تفورُ بها القِدْرُ
طَوَيتَ المدى في عُزلَةٍ غيرَ أعزلٍ
ففازتْ بكَ الآفاقُ وانهزمَ القبرُ
تُقَاوِمُ في ليلِ الأسَى جيشَ غُربَةٍ
ذخيرتُكَ الرُّؤيا ومتراسُكَ الحبرُ
وحَولَكَ من جِلْدِ البصيرةِ سِترَةٌ
مخافةَ أنْ يرمي رصاصتَهُ الغدرُ
فما زال في بئرِ التقاليدِ فائضٌ
إلى الآنَ لم يَنْضُبْ، ولم (تُهجَرِ البئرُ)
* * *
رفعتَ سماواتٍ ببضعِ أصابعٍ
تسابيحُها في الأرضِ أعمدةٌ زُهْرُ
وما كنتَ (موسى) في السؤالِ، فلم يزلْ
سؤالُكَ يأبى أن يكونَ لهُ (خِضرُ)
وما فُضْتَ إلَّا عن تَجَلِّيكَ حينما
تَكَثَّفَ مملوءًا بعتمتِهِ، العُمْرُ
تزيدُ اتِّقادًا في رؤاكَ كأنَّما
إلى النجمةِ (التِّسعينَ) أسرى بِكَ الفكرُ
بلغتَ (أَشُدَّ الأنبياءِ) مُضاعَفًا
فضُوعِفَ فيكَ «الحبُ» والنبلُ والطُهرُ
ثَرِيٌّ بمعناكَ الذي ما وَهَبْتَهُ
إلى فكرةٍ إلَّا تَنَكَّبَها الفقرُ
* * *
أتيناكَ أطفالًا نزورُ جذورَنا
فشَعَّ لنا من مقلتيكَ الغَدُ البِكرُ
زمانُكَ في كلِّ الزمانِ مُوَزَّعٌ
- ولا غروَ - فالإبداعُ دَولَتُهُ الدَّهرُ
ومُذْ بَدَأَتْ هذي الحياةُ سباقَها
مع الشِّعرِ، لا ينفكُّ يسبقُها الشِّعرُ
هُنا قد يُلاقي العارُ مَنْ يحتفي بِهِ
وقد لا يُلاقي مَنْ يُوَقِّرُهُ الفَخرُ
فلا انْطَفَأَتْ ما بيننا من قرابةٍ
نماها إلينا صوتُ (فيروزَ) والفجرُ
وما ضَرَّ إنْ جَفَّتْ بِنا العينُ رُؤْيَةً؟!
فما زال من رُؤْيَاكَ يجري لنا نَهْرُ
وما النهرُ ممشوقًا على هامةِ الرُّبى
سوى قُبلَةٍ بيضاءَ يبعثُها البحرُ
** **
- جاسم الصحيح