تعلّمنا منه الثقة في المستقبل، والثقة في الحق الشخصي بالاختلاف مع الواقع. وإذا ظن شباب السعودية أنهم وحدهم قد تعلّموا من محمد العلي، فهم واهمون، إنه أستاذنا أيضاً. فعندما كنا في بواكيرنا نتصل بالأفق العربي لحلم الحداثة، كان محمد العلي في ذلك الأفق، خصوصاً بروافعه التقدمية التي تجعل من المنطقة الشرقية فعلاً جزءًا من الطموح العربي في رفض الضيم والتخلف عن منطقتنا.
أذكر أنني تعرفت عليه شخصياً في احد دكاكين سوق المنامة وكنت بمعية الصديق الشاعر علوي الهاشمي. وقتها كنا نحلم بتجمع ثقافي سيكون قريباً «أسرة الأدباء والكتاب». انسانياً، لا يزال يراني الأستاذ شاباً (هذا قبل أكثر من عشرين عاماً) وأتمنى أن أكون عند ظنه، أدبياً على الأقل رغم طعني في السن.
سأتعلم منه، أيضاً، الفرق القاتل بين الواقع والحقيقة، (خصوصاً في ما يجرحنا به الإعلام العربي المتوحش). فما نحلم به، برفقة الأستاذ، الذي تتعذر شيخوخته، يتجاوز الثقافة والشعر، فنحن بصدد الاختلاف مع المجتمع والسعي لتغيير لتجاوز تخلفه.
ولعل شيئاً مما نتطلع إليه، نرى إلى علاماته تتحرك في جزيرة العرب وخليجه، بأمل أن يرى الأستاذ طرفاً من أحلامه يوشك على التجلي.
فأتمنى على أصدقاء تجربة الستينيات من القرن العشرين، في السعودية، ألا يظنون أنهم قد تعلموا، وحدهم، من تجربة محمد العلي في الثقافة والحياة والمعرفة، فقد كنا رفاق خطواتهم المبكرة.
** **
- قاسم حداد