تُعد مسيرة الشاعر محمد العلي ثرية ومثرية ومتنوعة لشاعر «أيقونة الماء» وذلك لدوره في إثراء الحركة الأدبية والثقافية السعودية والعربية.
مسيرة تستحق الاحتفاء والتطريز نظير مشروعه الفكري والأدبي والصحافي لرائد من رواد الحركة الحداثوية التي تأثر بها وأثر فيها. ما يلفت المتتبع لتجربة العلي هو الوهج الأدبي والثقافي المتواصل منذ أعوام طويلة صال وجال خلالها في ميادين ومساحات الكتابة، وقدم عبر مضامينها رؤية وفكراً تنويرياً سيبقى إشعاعاً لأجيال وأجيال تتعاقب وتنهل من هذه التجربة على المستويين الشعري والنثري.
العلي الذي اختطفته كتابة المقال الصحافي من الشعر، فكان حضوره من خلال التجربة الصحافية أكثر وأكثر، وكأنه نذر قلمه لكتابة المقال عبر صحف عديدة من أبرزها جريدة اليوم التي كانت منها الانطلاقة الحقيقية للعلي أديباً وكاتباً، وهو الذي رأس تحريرها لفترة قصيرة، وكان من أبرز القائمين على ملحقها الثقافي «المربد». وطوال مشواره في الكتابة النثرية، كان حضوره طاغياً إذا ما قورن بتجربته الشعرية، ودرج أن يطلق عليه لقب الشاعر أكثر من أي ألقاب أخرى؛ كالكاتب أو الصحفي أو المفكر، فإنها ألقاب تتوارى خلف لقبه كشاعر وتأخذ منه وهجها في شتى مقالاته وكتاباته الصحفية التي تمتح شاعرية، فهو المخلص للقصيدة التي تستحيل مقالة يصلنا صوته من خلال سطورها.
المقالة الصحافية، التي أخلص الشاعر محمد العلي لكتابتها لأكثر من نصف قرن، هي العنوان الأبرز لمسيرته الإبداعية، وهي التي يمكن من خلالها الاستدلال على ملامح مشروعه الفكري وذلك بالنظر لما انطوت عليها من أبعاد فكرية، وتوجهات عقلانية، وما يناقش خلالها من قضايا وموضوعات ينطلق فيها من رؤية ثقافية شاملة لمثقف مهموم بالواقع، ومتطلع لاستشراف المستقبل، يترك الأسئلة والأقواس مفتوحة لإشعال فتيل تفكير المتلقي لخوض نقاشات متعمقة.
وتمتاز المقالة عند العلي بروح الشاعر وريشة المبدع، ولا تخلو من الشعر دائماً، ذات أبعاد وقضايا لغوية وتراثية، كما تمتاز بأسلوب فكري وفلسفي يعتمد على التكثيف والاختصار للوصول لما يُريد قوله مباشرة، ولا تخلو المقالة من جوانبها الأدبية والاجتماعية، وهو الذي يقول «إن أبرز ما يميز المثقف الحقيقي، حسه الاجتماعي...» وهو الذي يفضل أن يُعرف بجهوده في تغيير الفكر الاجتماعي. للشاعر محمد العلي الحق في أن يكرم على مستوى الوطن من قبل الجهات الرسمية المعنية، تكريم يليق بقامته وقيمته الثقافية والفكرية، واحتفاء بالمنجز الإبداعي الذي قدمه طوال مسيرته، واستحقاقه لهذا التكريم يأتي من خلال وصله بالأجيال القادمة وتعرفها عليه من خلال إعادة طباعة كتبه، وجمع ما لم يجمع لطباعتها، وغير ذلك من المشاريع التي يمكن أن تقدم في هذا السياق للاحتفاء والتكريم.
** **
نايف إبراهيم كريري - صحفي