هذه القصيدة أهديها إلى نبيلين أولهما أستاذي الشاعر عبد الله بن سليم الرشيد الذي طالما أتحفني بآرائه الشعرية الصافية وثانيهما أخي الحبيب عبد العزيز بن علي بن زياد النصافي، الذي أقول له:
هذه هي القصيدة التي أردتُ أن أهديك إياها (قبل أن أهرب) فلم تسعفني الموهبة حينئذ، واليوم أهديك إياها وأقول لك ولأستاذنا الدكتور عبد الله بن سليم الرشيد:
(الإخاء إحساس مُلهِم وقد بقي لكما في ذِمَّتي دواوين شعر فاقبلا هدية أخيكما حفظكما الله ذخراً).
صَدِّقْ مِنَ الطَّيرِ يا لُقمانُ أسْبَقَها
فَلا سليمانَ يَجْلُو اليَومَ مَنطِقَها
هِيَ السَّوانِحُ تَجتازُ الشُّعورَ فَإنْ
بَاشَرْتَها هَذَّبَ الإلهامُ أصْدَقَها
تَعِنُّ .. ( لا تَألَفُ ) الشُّطآنَ ! مارِدُها
مُشاغِبٌ يَبخَسُ الأمواجَ أزرَقَها
تَعِنُّ .. ( لا تَسألِ ) النَّشوانَ عَنْ شَغَفٍ
يُدْنِي إليهِ مِنَ الأقداحِ أعْمَقَها
لا فُسْحَةٌ كَيْ تُعِيرَ الوَقتَ قافِيَةً
تُراقِبُ الحِكمَةَ الحُبلَى لِتَسرِقَها
بادِرْ جُروحَكَ ! إنَّ الشِّعرَ سانِحَةٌ
ما أقرَبَ اللَّحظَةَ المُثلَى وَ أضْيَقَها
تَأتِيكَ مِنْ غامِضِ الإملاء في لُغَةٍ
عُلْيا ! كأنَّ ضَميرَ الغَيبِ أغلَقَها
حَتَّى إذا نَاهَزَتْ أوجَ الهُيَامِ طَغَى
بَيتُ القَصيدِ فأدناها وَ عَتَّقَها
يا لَحظَةً سَجَّلَتْ للرُّوحِ جَوهَرَةً
مَعصُومَةً ! أدْهَشَتْ دَهراً فَعَلَّقَها
الشِّعرُ ما جَاوَزَ الألغامَ مُحْتَدِماً
تُعِيرُهُ نَفْرَةُ الأفراسِ رَونَقَها
الشِّعرُ ما حَلَّقَتْ شَجْواً نَوارِسُهُ
مُجاذِباً حَيرَةَ المَلاَّحِ زَورَقَها
الشِّعرُ أنْ تَطْوِيَ الأزمانَ مُفْتَرِعاً
دَقِيقَةً يَحْرُسُ الإبداعُ مَوثِقَها
الشِّعرُ أنْ تَقْبِضَ الأرجاءَ في صَدَدٍ
وَ أنْ تُسَرِّحَها طَوراً وَ تَرْمُقَها
الشِّعرُ مُعْتَرَكُ الأبعادِ ! إنْ زَهِدَتْ
تَفَاقَمَتْ ! وَ يَؤُزُّ الشَّوقُ أفْسَقَها
الشِّعرُ هَروَلَةُ الأشْيَاءِ مُذْعِنَةً
لِلحَدْسِ ! حَرَّضَ ألباباً فَأعْتَقَها
يا شاعِراً نَاجَزَ المَعْنَى فَقَيَّدَهُ
لِلّيلِ ! وَ اسْتَلْهَمَ النَّجْوَى فَنَمَّقَها
راقَبْتَ قُدْسِيَّةَ الألفاظِ ! لا تَرَفاً
وَ إنَّما يَحشِدُ المضمُونُ فَيْلَقَها
تَسْعَى و في الرَّمَلِ المَعهودِ مُتَّسَعٌ
لِلوَجْدِ راوَدَ أقلاماً فَأرْهَقَها
وَ أنتَ أنتَ ! بِغَيْرِ الشِّعرِ ما رُئِبَتْ
(أقداحُكَ الشِّيْبُ) !... أشْجَاها فَأنْطَقَها
أنشَدْتَ أنْبَلَ نَذْرٍ ساغَ فَانْعَقَدَتْ
عُرَاهُ مِنْ شَرَفِ المَسْعَى فَوَثَّقَها
يا شاعراً ما رَوَى السُّمَّارُ قَافِيَةً
أزكى وَ لا نازعوا رُؤياهُ غَيْدَقَها
لا تَبْكِ إنْ غَمَطَ الأقوامُ مَأثُرَةً
تَحِيكُ مِنْ سَهَرِ الجَوزاء بَيْرَقَها
لا تَبْكِ ! أنتَ حَنِينُ العِيسِ عَنْ شَجَنٍ
إذا دَعَتْ نَخْوَةُ البَيداءِ بَيْدَقَها
لا تَبْكِ ! أنتَ جَوابُ الشِّعرِ عَنْ ثِقَةٍ
إذا انْتَقَى مِنْ عُطُورِ الصِّيدِ أعْرَقَها
وَ حَسْبُكَ الآنَ أنَّ الشِّعرَ مُكْتَنِفٌ
فَألَ السَّوَانِحِ ! كَمْ وَافَيْتَ أسْبَقَها
** **
- شعر: فهد أبو حميد