د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
من أكثر ظواهر العربية تقسيمًا حسب اعتبارات مختلفة ظرف الحال:
1-لفظ الحال: مشتقة/ جامدة
الأصل في الحال أنه وصف أي اسم مشتق كاسم الفاعل أو اسم المفعول أو صفات المبالغة أو الصفات المشبهة باسم الفاعل، كقوله تعالى {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} [19-النمل]. وقد يأتي جامدًا، ثم إن الجامد قد يؤول بمشتق أي المعنى المراد منه هو معنى المشتق، نحو (كرَّ الفارسُ أسدًا) أي شجاعًا، وقد لا يؤول بمشتق كقوله تعالى {قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [61-الإسراء]، ونحو (هذا مالك ذهبًا).
2-ملابسة الحال: منتقلة/ ملازمة
الحال ظرف والظروف متغيرة لذا كان الأصل في الحال أن تكون منتقلة عن صاحبها فقد يتصف بها حينًا وقد لا يتصف بها حينًا آخر، كقوله تعالى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [4-الملك]، وقد تأتي لازمة لصاحبها كقوله تعالى {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط} [18-آل عمران]، فقيامه بالقسط صفة ملازمة، ونحو (خلق الله الزرافةَ يديها أطولَ من رجليها) فطول اليدين ملازم لها.
3-مقصد الحال: مقصودة/ موطئة
أكثر ما تكون الحال أن يعبر لفظها عن المقصود بهذه الحال، كقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [105-الإسراء]، فالحال المقصودة المعبرة عن المرسل هي (مبشرًا) ومثلها (نذيرًا)، وكقوله تعالى {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [3-فصلت]. «{قُرْآنًا}: حال مقصودة من {كِتَابٌ} لتخصصه بالصفة و{عَرَبِيًّا}: صفة له أو حال منه أو حال أخرى من {كِتَابٌ} أو هو حال موطئة و{عَرَبِيًّا}: هي الحال المقصودة»(1)، والحال الموطئة هي التي لا يقصد لفظها بل لفظ ما بعدها كقوله تعالى {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [17-مريم]، فليست بشرًا الحال المقصودة، بل هي موطئة للمقصودة وهي (سويًّا).
4-مزامنة الحال: مُقارِنة/ مُقدَّرة.
والأصل أن تكون الحال مقارنة صاحبها في الزمن، ولكن قد تكون مقدرة، تحدث في زمن لاحق، كقوله تعالى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ} «وآمِنِينَ: حَالٌ مُقَارِنَةٌ لِلدُّخُولِ. وَمُحَلِّقِينَ وَمُقَصِّرِينَ: حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَلَا تَخَافُونَ: بَيَانٌ لِكَمَالِ الْأَمْنِ بعد تمام الحج[27-الفتح]»(2). وكقوله تعالى {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} [15-آل عمران].
5-غرض الحال: مؤسِّسة/ مؤكِّدة
الأصل في الحال أن تكون مؤسسة لمعنى جديد مفيد، كقوله تعالى{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [33-إبراهيم] «فـ(دائبين) حال مؤسسة بمعنى: دائمين، والأصل: دائبة ودائبًا، فلمّا اتفقا لفظًا ومعنى ثنيا، ولا يضر اختلافهما في التذكير والتأنيث»(3). وقد تأتي مؤكدة لعاملها أو لصاحبها أو لمضمون الجملة، والمؤكدة لعاملها نحو قوله تعالى ?وأرسلناك للنَّاس رَسُولا? [79-النساء]، وكقوله تعالى{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} [19-النمل]، وكقوله {وَلَّى مُدْبِرًا} [10-النمل]، وكقوله {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [60-البقرة]، «والمؤكدة لصَاحِبهَا كَقَوْلِه تَعَالَى {لَآمَنَ من فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}»(4)، «وفي التنزيل: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} [91-البقرة] فهذه حال مؤكّدة؛ لأن الحقّ لا يكون إلاّ مصدّقا، ومثله: {وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا} [20-الفتح]؛ لأنّ الاستقامة لزم صراط الله»(5).
6-دلالة الحال: حقيقية/ سببية
الأصل والكثير أن تدل الحال على صاحبها؛ ولكنها قد تدل على ما له به سبب، يقال عن الأولى حقيقية؛ لأنها حال عن صاحبها حقيقة، كقوله تعالى ?وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي? [150-الأعراف]، ومثال الحال السببية قول الشاعر:
تَذَرُ الجَماجِمَ ضاحِيًا هاماتُها ... بَلْهَ الْأَكُفِّ كَأَنَّها لمْ تُخْلَقِ
فضاحيًا حال من حيث اللفظ للجماجم ولكنها من حيث المعنى لسببي الجماجم وهو هاماتها.
(للموضوع صلة)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
(1) محمد الأمين بن عبد الله الهرري، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، 25: 335.
(2) أبوحيان الأندلسي، البحر المحيط في التفسير، 9: 499.
(3) خالد الأزهري، التصريح على التوضيح، 1: 601.
(4) ابن هشام، شرح شذور الذهب، ص319.
(5) ابن الشجري، أمالي ابن الشجري، تحقيق: محمود الطناحي، 3: 22.