محمد عبد الرزاق القشعمي
تعود علاقتي بالأستاذ محمد العلي إلى منتصف عام 1976م ففي طريقي إلى الرياض من الأحساء – حين أعمل في مكتب رعاية الشباب – للانضمام إلى المشاركين في الأسبوع الثقافي السعودي الذي سيتوجه بعد غد إلى المغرب.
مررت على الأستاذ محمد العجيان رئيس تحرير جريدة اليوم بالدمام، والذي عرفني بأبي عادل وقال إنه سينضم إلى المشاركين بالأسبوع مندوباً للجريدة.
كانت إقامة إدارة الوفد والأدباء والفنانين والصحفيين في فندق هلتون الرباط، أما فرقتا الفنون الشعبية والموسيقية فقد اسكنتا في بيوت الشباب وفي اليوم التالي نقلوا إلى فندق آخر.
من الصدف أن يكون سكني في غرفة مشتركة مع الأستاذ محمد العلي في الأيام الأولى. افتتح الأسبوع وزير الثقافة المغربي ورئيس الوفد السعودي الدكتور صالح بن ناصر وكان يعمل وقتها وكيلاً لوزارة الإعلام، إذ إن الاأسبوع الثقافي السعودي من تنظيم وإدارة الرئاسة العامة لرعاية الشباب ومشاركة وزارات الإعلام والمعارف والتعليم العالي والخارجية ويمثلها السفير السعودي بالرباط.
سريعا ما توثقت علاقتي بأبي عادل، فأصبح تنقلنا من الفندق إلى أماكن النشاط بسيارة واحدة يشاركنا بها الصحفي علي الرابغي مندوب جريدة عكاظ والمذيع الرياضي المعروف، وحتى تنقلاتنا بين مدن المغرب خصوصاً الرباط والدار البيضاء ومراكش.
عرفته عن قرب إذ كنت أسمع به وأقرأ زاويته الأسبوعية (البعد الآخر) بجريدة اليوم، ولكن مرافقته والاستماع إليه ليلاً ونهاراً أعطتني عنه انطباعاً صادقاً بما يتمثله من أخلاق وصدق ووضوح في تعامله.
كان يرافق الوفد عدد من الصحفيين أذكر منهم: الأساتذة ساعد العرابي الحارثي ومحمد الوعيل وحاسن البنيان وغيرهم، طبعاً إضافة لمن ذكرت الرابغي والعلي.
بعد أيام ضاقت غرف الفندق مما اضطرهم إلى اختيار الغرف الصغيرة المحيطة بالمسبح لتكون سكناً للصحفيين، ولكن وسيلة النقل بقيت كما هي.
صادف أن أختير الأستاذ العلي لمرافقة الشاعر زاهر عواض الألمعي، الذي سيقيم أمسية شعرية بالدار البيضاء – حتى إذا انتقلنا للسكن في فندق حياة ريجنسي بها، كانت الأمسية بعد عصر أحد الأيام في مركز ثقافي وسط حديقة عامة، وكان الذي يقدم الشاعر ويدير الأمسية المذيع منصور الخضيري، وكنت بحكم مهمتي الإدارية مرافقاً لهم، حضر مجموعة من الشباب من الجنسين ومع بداية الأمسية تقاطر عدد آخر من المستمعين، ألقى الشاعر الألمعي بعض القصائد التقليدية في المراثي والاخوانيات أذكر منها قصيدة يمتدح بها وكلاء بعض الوزارات عند زيارتهم لبلده (رجال ألمع) بالجنوب، بعد نهاية إلقائه فتح الخضيري باب النقاش، فكان السؤال الرئيس عن المدارس المعاصرة في الأدب وعن شعراء الحداثة في المملكة، أجاب الشاعر إجابة مقتضبة لم تقنعهم فحاول الخضيري إنقاذ الموقف بتعريفهم بالصحفي المرافق – محمد العلي – فهو من يستطيع الإجابة على سؤالهم وأضاف أنه شاعر حداثي فطلبوا إسماعهم شيئاً منه، فألقى كما أذكر قصائد منها: العيد بالخليج، ولا ماء في الماء.
انتهت الأمسية ولم يكتف بعض الحاضرين من الشباب بما سمعوه، فرافقونا مشياً على الأقدام للفندق، وهناك استمر العلي يلقي عليهم ما يطلبونه من معلومات وقصائد إلى وقت متأخر من الليل ثم ودعوه بعد تبادل العناوين.
وفي مراكش بعد أيام كانت الحفلة الفنية الرابعة وكان يتناوب الطلوع على المسـرح الفنانون محمد عبده ومحمود حلوني وطارق عبد الحكيم ومطلق الذيابي وغيرهم، وكان يتابعنا عدد كبير من الشباب في المدن المختلفة للاستماع لهم، فكانوا يرددون أغاني طلال مداح لمعرفتهم بأغانيه إذ إن محمد عبده جديد بالنسبة لهم، فنجد أحدهم يطالب محمد عبده أن يغني أغنية (مقادير) فيعتذر بأنه لا يحفظ كلماتها وأنها من أغاني صديقه طلال.
أما في الحفل الفني بمراكش فقد تأخر محمد عبده عن الصعود على خشبة المسـرح فبدأ الجمهور يتململ ويصفق ويصفر، وإنقاذاً للموقف رفع أبو عادل أصبعه للمذيع عبدالعزيز شكري مستأذناً بالوقوف أمام المكرفون قائلاً:
فلنتينا... فلنتينا.. وأنت تعبرين الكون بمركبة الفضاء.
هل شاهدت غابة نخيل
يدعونها القطيف والأحساء
وكثبان رمل يسمونها الدهناء
وقرية ناعسة الجفنين اسمها شقراء
تلك بلادي يا فلنتينا... الخ
وقال: هذا مقطع من قصيدة للشاعر السعودي سعد البواردي:
وطبعاً يقصد رائدة الفضاء السوفيتية وقتها. فصفق له الجمهور بحرا رة.
تلك لمحات لذكرى مر عليها ما يقرب من نصف قرن، وهو مما بقي في الذاكرة عن أول رحلة وأول لقاء بالأستاذ محمد العلي.
وختاماً وحتى لا أنسى أن من مواقفه التي لا تنسى أنه أصر على الذهاب للسوق الشعبي بالرباط قبيل عودتنا، وفعلاً رافقته فوقف أمام صانع الأعواد فاشترى عوداً صغيراً قلائل أن ابنه علي يهوى العزف على العود وقد طلب منه إحضاره معه.. ولهذا فهو سعيد بتحقيق رغبته، وكان بالطائرة مزهواً به، فعندما يسأله أحد الفضوليين أهل أنت مطرب؟ يرد عليه وهو يضحك هذا لعلي.. بعد عودتنا للمملكة نشر العلي سلسلة من المقالات (البعد الآخر) بجريدته اليوم، يستعرض فيها لمحات عن الأسبوع الثقافي وسخريته من أحد المحاضرين الذي هاجم الشعر الحر وشعراء الحداثة ومناشدته الخنساء بالخروج من قبرها ممتطية ناقتها لتبصق في وجهوهم.