د. خيرية السقاف
حين تستيقظ صباحًا وهدير آلة بناء تضج في أذنيك..
وتنمام وأصداء تتضافر عليهما..
أنت لست وحدك..
أنت لست في برج عاجي عن حركة إنسان آخر على الأرض
أنت جارٌ, ومن حولك يتحركون,
وشريكٌ ومن معك يتنفسون,
ورفيقٌ ومن أنت فيهم يعملون..
الشارع خارج أسوار بيتك ليس لك وحدك, جدارك يقاسمك فيه جار يتنفس, وأفواه تتكلم, وقلوب تنبض, ورغبات كتلك التي تنمم في صدرك في صدورها..
بل كل الذي أنت فيه نابض بحياة هي التي تعيشها معهم, ويحيون بها..
شراكة الهواء, والضوء, والغيم, والريح,
في مدى الفراغ, وما يحوي من شجر مثمر, أو عقيم,
أخضر مزهر ربيعي, أو أصفر ذابل خريفي,
ارتياد المصحة كتفا بكتف مألوما, شاكيا أو باكيا, فرحا بنجاة, أو دامعا بفقد,
وقوفا بفرن تتنسم رائحة رغيفه معدتك وهي تتضور جوعا,
أو ذائقتك وهي تتلهف استنشاقا,
ذاكرتك بما تهمي, تتماهى أو تستحضر, تُخزِّن أو تُفرغ..
أنت لست وحدك..
حين تنام وكل الذي حولك هدوء, على هفهفات ضوء شمعة معطرة,
أو في سكون ظلمة محدقة,
على مقعد وثير, أو فراش حرير, أو على نسيج خشن, وتربة توخز بجفافها,
فأنت تعيش في معيةٍ وإن لم تكن أجسادا..
المعاش ليس توحدا, والوحدة ليست خالية..
حين الخلو فراغ, فإن الفراغ امتلاء..
بك, بجارك, برفيق, بمن يشاطرك..
الحياة ليست لك, كما أنها ليست لأحد بمفرده,
الحياة شراكة وديمومة, وداع فتجديد..
جزء ناطق أنت في الكل, وصامت مختبئ عند الأجل,
ويأتي من يحل مكانك, وتدوم الدواليب...
السواقي لا تلفظ ماء الحياة في شرايين البقاء, ولا بعد الفناء..
إنما هي دورات..
فإن أنت تعمقت ولم تطفُ على سطح, أو تذوب في دوامة, فإنك ستفرح معهم, ستعينهم ولن تتخلى عن دورك, ستشيد ولن تهدم, ستقول ولن تسكت, ستضيف ولن تصمت, لن تهدأ لك نبضة, ولن تخفت لك وهجة..
فلا يزعجنَّك جار يدق مسمارا يوقظك من نومك,
أو يوقد على حطبه فتزكمك أدخنته,
أو يدخل بيتك صوته وهو يسرج أحصنة بنيانه..
بابك دعه مفتوحا لشراكة الحياة, لتجمل دنياك بسواك..
فأنت لست وحدك..