نوير العميري - الدمام:
نظم قسم التاريخ في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تحت رعاية سعادة عميدة كلية الآداب الدكتورة مشاعل العكلي ندوة عن بعد - بعنوان «أمجاد وطن من التأسيس حتى الرؤية» بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني 91، في يوم الأحد 19 صفر 1443هـ الموافق 26 سبتمبر 2021م تحت إشراف رئيسة قسم التاريخ الدكتورة بدور العثمان ورئيسة لجنة التوعية وخدمة المجتمع بالقسم الدكتورة منيرة قفل الشمري شارك في هذه الندوة نخبة من المتخصصين في التاريخ الحديث والمعاصر وهم: الدكتورة نادية الدوسري, الدكتور صالح السلمي, والدكتور سعد العريفي والدكتور خالد الشراري وأدار الحوار في هذه الندوة الأستاذة أمل الدعجاني.
افتتحت الندوة بكلمة لسعادة عميدة كلية الآداب الدكتورة مشاعل العكلي قائلة: «يسعدني أن أرحب بالحضور الكرام أجمل ترحيب احتفاء بالذكرى 91 لذكرى يومنا الوطني العزيز, كما أشكر لضيوف الندوة الباحثين مشاركتهم القيمة في إحياء هذه الذكرى الغالية علينا جميعا, وأثمن للزملاء في قسم التاريخ وعلى رأسهم سعادة رئيسة القسم الدكتورة بدور العثمان جهودهم النشطة, والفاعلة في كل محفل وعقدهم لهذه الندوة في هذه المناسبة الكريمة والمعنونة بعنوان «أمجاد وطن من التأسيس حتى الرؤية» وكل عام وقيادتنا الرشيدة أيدها الله في خير والوطن بأمن وأمان».
افتتحت الندوة الدكتورة نادية الدوسري الأستاذ المشارك في قسم التاريخ الحديث والمعاصر بورقة علمية بعنوان «أسس بناء الدولة السعودية الحديثة وإنجازاتها منذ عهد الملك عبد العزيز حتى وقتنا المعاصر» متحدثة عن مراحل توحيد البلاد حتى صدور المرسوم الملكي رقم 2716 بتاريخ 17 جمادى الأولى عام 1351هـ القاضي بتحويل اسم الدولة من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى مسمى المملكة العربية السعودية.
ثم تطرقت إلى أسس بناء الدولة الحديثة فهذه البلاد العظيمة بينت على أسس قوية وراسخة حتى وقتنا الحاضر وأولى هذه الأسس الاستقرار السياسي الذي وضع أساسه الملك عبدالعزيز تبعه نهضة البلاد بشكل كبير في كافة المجالات العلمية والاقتصادية والعسكرية وغيرها من المجالات, وثاني هذه الأسس الاستقرار الاجتماعي والذي قام على تحضير البادية ونقلهم إلى الإقامة في القرى والهجر ومنع التعدي ليحل محل ذلك الإخاء والأمن والسلام بين الجميع, وثالثها الاستقرار العمراني والقيام بالأعمال الإصلاحية والمشاريع العامة والتنموية, ومما لا شك فيه أن استقرار هذه الأسس كان يتطلب الأمن الذي يعد لبنة من لبنات العمران وأساس نشأة أي نظام سياسي, الأمر الذي يتطلب الالتفاف حول القيادة الرشيدة, والولاء لها وقوة الانتماء والبعد عن كل ما يزعزع أمن البلاد لقوة التمسك بالثوابت والقيم, كما قال الملك عبدالعزيز «الفرقة أول التدهور والخذلان بل هي العدو الأكبر للنفوس والغاوية للبشر والاتحاد والتضامن أساس كل شيء، فمن واجبات الشعب الاستقامة ومراعاة ما يرضى الله ورسوله والتآزر مع الحكومة للعمل فيما فيه رقي البلاد والأمة».
إن سر عظمة هذه البلاد قوة إيمان قادتها منذ عهد الملك عبد العزيز حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان وثقتهما بالله والعدل في الحكم والعطف على الرعية وفي نفس الوقت الشدة على أهل البغي والفساد.
كما أن المدنية الصحيحة وهي التقدم والرقي والذي لا يكون إلا بالعلم والعمل وهذه رؤية جميع الملوك وصولا إلى رؤية 2030 التي تهدف إلى الإصلاح الاقتصادي والاعتماد على عدة مصار اقتصادية دون الاقتصار على النفط وتحقيق توازن مالي للمملكة, وهي تشتمل على العديد من الخطط الاقتصادية, كما أن من أولويات الدولة تطوير الشعب ورقيه، ومنها التركيز على تمكين المرأة في وقتنا المعاصر من خلال مشاركتها في انتخابات المجالس البلدية كناخبة ومرشحة، استصدار رخص القيادة للمرأة لأول مرة، السماح لها بالعمل التجاري، تعديل نظام العمل لصالحها، إشراكها في العمل النيابي، تعينها في مناصب رفيعة وغيرها.
واختتمت الدكتورة نادية حديثها بالحديث عن المسؤولية المجتمعية مؤكدة أهمية الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية والأمانة تجاه الوطن وإتقان العمل والمشاركة بفاعلية في تنميته بمشاعر وطنية خالصة ودعاء صادق لخادم الحرمين بأن يبارك فيه وفي ولي عهده وربط ذلك بشعار اليوم الوطني «هي لنا دار».
جاءت مشاركة الدكتور سعد العريفي الباحث في التاريخ السعودي بورقة علمية متميزة حول «شخصية المملكة العربية السعودية» استعرض خلالها الملامح الطبيعية للمملكة موضحاً أن المكان أحد العوامل المهمة التي تشكل الشخصية للمملكة العربية السعودية, إذ تشكلت من عدة أقاليم طبيعية وتاريخية مثل جبال السروات والسراة, وسهل تهمة وهضبة نجد, والربع الخالي وواحة الأحساء والسهل الساحلي, وبالتالي لكل إقليم تميزه وأثره في هوية المملكة, وتناول المكونات البشرية للمملكة مشيراً إلى أن إنسان الجزيرة العربية من أقدم الذين استوطنوا الأرض وعمروها حسب الحفريات الحديثة, خلالها تكيف إنسان الجزيرة مع الطبيعة القاسية الذي جعلت منه انساناً متميزاً, كما أشار إلى الركائز الاقتصادية التي تميزت بالتكامل بين اقتصاد البادية والحاضرة, إضافة إلى السياسة الإدارية ففي الشخصية السعودية يتبين مدى عمق التجربة السياسية فيها الممتدة على طول أكثر من 300 سنة ولها جذور تاريخية بعيدة.
واختتم العريفي ورقته بالتوصية بأهمية دراسة شخصية المملكة العربية السعودية الفاعلة والمؤثرة, والخروج بتصورات واضحة بمدى عمق وثراء هذه الشخصية, وكيفية توجيه هذه المقومات لتكون داعمة للتوجهات القائمة نحو جعل السعودية عضوا فاعلاً في المجتمع المحلي والدولي.
فيما أوضح الدكتور صالح السُلمي الباحث في التاريخ السعودي ومدير مركز تقدُم في ورقته التي جاءت بعنوان «الوزارة في عهد الملك عبدالعزيز «شكل التنظيم الإداري في عهد الملك عبد العزيز قبل ضمه للحجاز عندما كان الملك يدير شؤون الدولة اعتمادا على رجالات ديوانه «ديوان الشيوخ» كما كان يسميه أهل نجد، وهو المرفق الذي اتخذه مقراً لإدارة شؤون البلاد الداخلية والخارجية، وكان لهذا الديوان شُعَب وإدارات تتفرع عنه, كما وضح في ورقته تاريخ تأسيس الوزارات في عهد الملك عبدالعزيز، من خلال البنية الإدارية السابقة التي تم إنشاء الوزارة عليها، ووضح الأسس التنظيمية التي كانت تشكل مرجعية للدولة قبل اكتمال توحيدها، وعرض التشكل الهيكلي لكل وزارة، وتعيين المهام التي تدخل ضمن اختصاصها؛ وأشار إلى أن الوزارات الثلاث الأولى ظهرت قبل إعلان توحيد البلاد في عام 1351هـ/ 1932م وهي الداخلية والخارجية والمالية، وفي عام 1363هـ/ 1943م استحدثت وزارة الدفاع، وخلال الفترة من عام1370هـ/ 1950م إلى عام 1373هـ/ 1953م، أعيد تأسيس وزارة الداخلية وأحدثت وزارات الصحة والمواصلات.
وفي ورقة بعنوان «دور المملكة العربية السعودية تجاه القضايا العربية» استعرض فيها الدكتور خالد الشراري الباحث في التاريخ السعودي الدور الرائد للمملكة في خدمة القضايا العربية مؤكداً فيها أنه لا يخفى على أحد تلك الجهود السياسية التي تبذلها المملكة العربية السعودية في خدمة قضايا الأمة، سواء على المستوى السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والإغاثي إضافة إلى الدور الذي تقوم به المملكة في دعم المنظمات والجمعيات الخيرية والإسلامية، وكذلك الإصلاح بين الفرقاء العرب وتعزيز الوحدة بينهم، وقد كان للمملكة دور بارز في خدمة القضايا العربية, كما تحدث خلالها عن بعض هذه القضايا مثل دور المملكة في دعم القضية الفلسطينية إذ قدمت خلال تاريخها الطويل مؤازرة حقيقية للقضية الفلسطينية، واشتمل الدور السعودي العسكري على الاشتراك الفعلي في الحرب شاملا ذلك قطاعات من الجيش النظامي والشعبي والمتطوعين، وقد قدمت المملكة العربية السعودية دعما ماليا لأشقائها الفلسطينيين, وقدمت المملكة الدعم السياسي من خلال جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة ومن خلال الاجتماعات والخطابات التي تبادلها الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- مع القادة الأمريكيين والبريطانيين, كما أشار الدكتور خالد إلى أهمية دور المملكة في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية فقد حمل الملك فهد بن عبد العزيز مسؤولية كبرى في التاريخ اللبناني وبذل جهودا متصلة في سبيل تثبيت الأمن والاستقرار في لبنان ودعم الشرعية اللبنانية, وكان للمملكة دور في الحرب العراقية الإيرانية وكان التحرك السعودي من خلال اللجنة السباعية التي شكلت بغرض الوصول إلى وقف إطلاق النار، وبعد رفض إيران وقف إطلاق النار واستمرارها بالحرب لم تجد المملكة إلا أن تسند العراق بالمال والسلاح.
واختتم الشراري حديثه بدور المملكة في استعادة الكويت بعد الغزو العراقي الغاشم, وهنا جاءت المواقف السعودية مواقف الثابتة في نجدة أشقائها لتضرب أروع صور الأخوة حيث بدأت القيادة تحركات سريعة ومتتالية على مستويات عدة، وأعلن أن السعودية تقف مع الكويت في حق دفع هذا العدوان الغاشم حتى تستعيد شرعيتها.
بعد ذلك طرحت الأستاذة أمل الدعجاني مديرة الندوة الفرصة للحضور لطرح الأسئلة للمشاركة والنقاش.
من جانبها أعربت الدكتورة بدور العثمان رئيسة قسم التاريخ: العام الواحد والتسعون لوطن نباهي به فخراً لذكرى يوم يعكس لنا أصالة الماضي ويظهر ازدهار المستقبل لدار شامخة, حقيقة هذه الدار ليست دار المواطن السعودي فقط بل هي دار الجميع يحتفل ويسعد بيومها المواطن وغير المواطن من دول الجوار, وأنا أتابع أصداء الاحتفالات وجدت أن الفرحة لم تقتصر على الشعب السعودي بل تجاوزت حدود ه ليعبر عن فرحته كل من أبناء وبنات الجوار الخليجي والعالم العربي أيضا على حد سواء وهذه دلالة واضحة على مجد هذا الوطن, مثل هذه الندوات هي أقل الحق مما نقدمه لهذا الوطن المعطاء, هذا الوطن الذي حرك مشاعر الجميع للتعبير عن فرحته داخل حدوده وخارج حدوده يستحق منا مثل هذه الوقفات التاريخية لنؤكد على أن هذه الأمجاد لم تأت من فراغ, بل إنها جاءت بعد قصة كفاح وبنيت على أسس أصيلة وثابتة انتهجتها القيادة الرشيدة, واختم هذه المداخلة بالشكر للمشاركين في هذه الندوة الوطنية الثرية, وإن شاء الله مواصلون في مسيرتنا بسواعد أبناء وبنات الوطن, والشكر موصول للقائمين على إعداد هذه الندوة.
كما عبرت الدكتورة منيرة الشمري رئيسة لجنة التوعية والمجتمع بقسم التاريخ: بتوجيه الشكر إلى سعادة عميدة كلية الآداب الدكتورة مشاعل العكلي لرعايتها الكريمة لهذه الندوة ولرئيسة قسم التاريخ الدكتورة بدور العثمان على حرصها ومتابعتها لكل ما فيه رفعة للوطن سواء في قسم التاريخ داخل أروقة الجامعة أم في أدواره الاجتماعية خارجها, كما وجهت شكرها لفرسان هذه الندوة على ما قدموه في هذه الندوة لليوم الوطني (91) وللوطن وأبناء الوطن، ولفريقها المنظم من أعضاء اللجنة د. عفاف الشمري أ. نوير العميري، وأ. أمل الدعجاني وأ. منيرة العتيبي، وأ. مها الدوسري، وللحضور الكريم لتشريفهم بالحضور, وفي ختام حديثها ذكرت: «أن اليوم الوطني فرصة لنا لإظهار ولائنا ومحبتنا واعتزازنا بولاة أمرنا أعانهم الله وسدد خطاهم, وأدام الله علينا عزته ورفعته وأمنه وأمانه واستقراره ورخاءه».
اختتمت هذه المداخلات بمشاركة وكيلة الكلية للشؤون الأكاديمية سعادة الدكتورة جملاء المري قائلة: في كل مناسبة في اليوم الوطني يتبادر إلى ذهني شخصية الملك عبدالعزيز الذي استطاع أن يكون هذا الكيان ويخلق الكيان السياسي الجديد على خارطة الجزيرة العربية بتأسيس دولة قوية الأركان, فالإمام عبدالرحمن بن فيصل رحمه الله توسم بالملك عبدالعزيز الذكاء والفطنة والعبقرية, ورأى أن هذه الأمور تحتاج إلى خبرة ونضج, فقد مارس الملك عبدالعزيز التجارب السياسية منذ صغره, وكلفه والده بالعديد من المهمات السياسية التي صقلت شخصية الملك عبدالعزيز منها على سبيل المثال عندما كلفه والده ليكون عضواً في وفد المفاوضات لابن رشيد عندما حاصر الرياض في عام 1307هـ وكان عمره لا يتجاوز 14 عاماً, ومنها إرساله ضمن وفد إلى حاكم البحرين وكان عمره 15 عاماً عندما استقر الإمام عبدالرحمن في صحراء المنطقة الشرقية, كما رافق والده عندما فاوض الإمام عبدالرحمن مع السلطات العثمانية, كذلك لا ننسى أن رحلة الملك عبدالعزيز إلى الكويت صقلت شخصية الملك عبدالعزيز فكان حريصاً على الاطلاع ومعرفة الأمور السياسية العالمية فكان مجلس الشيخ مبارك الصباح يعج بالمندوبين من كافة الدول الاجنبية فكان يحرص على مجالستهم, ويحاول من خلالها استطلاع أخبار منطقة نجد من كبار القوم خاصة من التجار في الكويت كل هذه التجارب السياسية هي التي صقلت شخصية الملك عبدالعزيز وأهلته ولله الحمد على استرداد هذا الملك وبناء هذا الكيان.
وفي نهاية الندوة اختتمت مديرة الندوة الأستاذة أمل الدعجاني بالشكر للمشاركين في هذه الاحتفالية الغالية, وللحضور على المشاركة والتفاعل, وكل عام ووطننا بأمن وأمان.