الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
الدين الإسلامي جاء بالوسطية والاعتدال في كل جوانب الحياة، فلا إفراط ولا تفريط، ولهذا جاء التوجيه الرباني للعباد بضبط انفعالاتهم النفسية التي تصدر عن الإنسان، ولخطورته على الفرد والمجتمع، وما يترتب عليه من مضار بدنية ونفسية، ومفاسد اجتماعية.
«الجزيرة « طرحت موضوع «الغضب «أو ما يُسمى بـ»شيطان المشاعر» على اثنين من المتخصصين في العلوم الشرعية والطب النفسي، وكانت رؤاهما على النحو التالي:
السيطرة على التصرفات
يقول الدكتور عبدالله بن حمد السكاكر أستاذ الفقه بجامعة القصيم: إذا كان الإسلام قد نهى وحرم ما يحجب العقل ويغطيه من المسكرات والمخدرات لما فيها من المفاسد العظيمة ولما يترتب عليها من ارتكاب للمحظورات وانتهاك للمحرمات كالقتل والضرب والسب والطلاق وغيرها فإن الغضب يعمل في صاحبه ما تعمله هذه الآفات فيغيّب العقل ويغطيه، ويسلم قيادة البدن للعواطف الثائرة والغرائز الطائشة ولذا جاء الإسلام بالنهي عنه كما جاء بالنهي عن المسكرات والمخدرات، روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ».
ولأن الغضب قد يحدث رغماً عن الإنسان فقد أرشد الإسلام إلى كظمه ومنعه من السيطرة على تصرفات المسلم قال الله سبحانه وتعالى في صفة أهل الجنة: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرّاءِ والضَّرّاءِ والكاظِمِينَ الغَيْظَ والعافِينَ عَنِ النّاسِ واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ}، وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ»، كما أرشد الإسلام إلى وسائل تذهب الغضب وتعيد للمسلم هدوءه وطمأنينته؛ فمن ذلك الاستعاذة ففي الصحيحين عن سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ، مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:» إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، ومن ذلك الوضوء ففي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الغضبَ من الشَيطانِ، وإن الشيطان خُلِقَ مِن النار، وإنما تُطفأُ النارُ بالماء، فإذا غَضِبَ أحدُكُم فليتوضأ».
ومن ذلك أن يغير حاله من حال إلى حال تعينه على الاسترخاء والهدوء روى أبو داود عن أبي ذرٍّ: أن رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - قال لنا: «إذا غضب أحدكُم وهو قائِمٌ فليجلِسْ، فإن ذهبَ عنه الغضَبُ، وإلا فلَيْضطَجِع».
ومن ذلك التفكير في عواقب التصرفات الطائشة وقت الغضب من قتل وضرب وسب وطلاق وقطيعة وأن الإنسان مؤاخذ بها في الدنيا والآخرة؛ فكم قُتل من قاتل وقت غضبه؟! وكم فككت من أسر وشرد من أطفال بسبب كلمة طلاق أطلقت لحظة غضب؟!، وكم وكم أسِف من غاضبٍ على تصرفات خرجت منه وقت غضبه؟! ولات ساعة مندم.
حالات ودرجات الغضب
ويشير الدكتور عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي إلى أن «مشاعر الغضب» قد تتجاوز الحدود المقبولة مثل باقي المشاعر والسلوكيات الإنسانية إذا تجاوزت المستويات الطبيعية فأصبحت أحد علامات الاضطراب النفسي والسلوكي والتي قد تتطلب العلاج النفسي، وهناك أسباب وعوامل كثيرة تؤثر في حالات ودرجات الغضب عند الإنسان مثل: السن والوضع الاجتماعي والثقافي، الظروف الحياتية والمادية المحيطة بالشخص، كما أن المسببات الخارجية للغضب متنوعة منها التعرض للظلم والاضطهاد الديني والعرقي والإحباط الشديد أو الفشل في مجالات الحياة والذل وامتهان الكرامة والفقر والتعرض للعنف والإيذاء البدني والنفسي واغتصاب الحقوق وسلب الأموال أو هتك العرض والنصب والغش والخداع والخيانة والكذب والنفاق فإن مثل هذه الأمور بالطبع تثير بركان الغضب داخل النفس البشرية التي تتصف بالعزة والشهامة والغيرة والنخوة والرجولة حيث أن هذا الغضب يكون حافزاً للدفاع عن النفس والمال والعرض والدين والوطن والأهل والحرية وهذا النوع من الغضب غالباً ما يكون على المستوى الاجتماعي أو المستوى الفردي، ومن أمثلة ذلك الغضب الشخصي ما كان يحدث للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذا انتهكت حرمات الله، أو غضب الإنسان العادي إذا تعرض للمواقف سالفة الذكر، كما أن الغضب الجماعي قد يحدث أيضاً رداً على الظلم والحروب والاضطهاد أو أي أسباب، ويوجد نوع آخر من الغضب المرضي والذي نعتبره اضطراباً نفسياً وسلوكياً وهو غالباً على المستوى الفردي وهو ما يحتاج للعلاج النفسي لأنه يكون مصاحباً لبعض الاضطرابات النفسية كأحد أعراض هذا الاضطراب النفسي مثلما يحدث لبعض مرضى القلق والاكتئاب النفسي وبعض مرضى الفصام والهوس الذهاني وبعض حالات الشيخوخة أو الزهايمر أو حالات إدمان المخدرات واضطرابات الشخصية مثل الشخصية السيكوباتية (العدوانية)، أو الشخصية غير المتزنة انفعالياً، أو بعض مرضى نوبات الصرع وخصوصاً الفحص الجبهي، أو مرضى الاندفاعات القهرية العدوانية، أو بعض مرضى إضرابات الغدد الصماء وخصوصاً الغدة الدرقية، فمع وجود الأعراض النفسية المرضية الخاصة بتلك المرض قد يصاحبها حالات الغضب وسرعة النرفزة وربما تصل لحالات الهياج والعنف وربما الإيذاء سواء للمريض نفسه، أو للآخرين وهذا يتطلب سرعة العلاج النفسي للمريض حتى وإن كان إجبارياً داخل أحد مصحات الأمراض النفسية والعصبية المخصصة لمثل هذه الحاات حتى يعود لحالته الطبيعية وحفاظا عليه وعلى المجتمع أيضاً، ويجب أن نعترف بأن حالات الغضب سواء فردي أو جماعي أصبحت في ازدياد مستمر ليس هنا أو هناك ولكن على المستوى العالمي وخصوصاً في ظل الصراعات العالمية والعولمة والتكنولوجيا وصراعات الحياة التي يعيشها العالم في وما نراه من حروب وظلم وبطالة وفقر وغلاء أسعار وأزمات وكوارث طبيعية هنا أو هناك والتي تؤثر بالطبع على الهدوء والصفاء النفسي للبشرية جمعاء مع قلة الدعم والتعاطف الأسري والاجتماعي والتي غالباً ما نراه من موجات من الغضب سواء كان فردياً أو اجتماعياً.
توجيه الطاقات
ويؤكد الدكتور عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي على ضرورة مواجهة أزمة الغضب قبل أن تستفحل ويصعب علاجها بدليل ما نراه من تعصب جماهير الكره وحالات الغضب والعنف في الملاعب الرياضية والتي يفترض أن تتحلى بالأخلاق الرياضية ولهذا يجب أن تتضافر الجهود من كافة الاتجاهات وإعادة توجيه الطاقات المكبوتة وشحنات الغضب فيما يفيد الإنسان اجتماعياً ودينياً وجسدياً، وهذا يتطلب تكاتف الهيئات العالمية والعربية والمحلية والدينية والإعلامية والسياسية والنفسية والاجتماعية على كافة المستويات الحكومية والأهلية من أجل تصحيح الأوضاع ورفع المسببات التي تؤدي لحالات الغضب وتحقيق العدل والسلام العالمي والإخاء والتسامح والأمن والاستقرار والدعم المادي والتكافل الاجتماعي مع تنمية الجوانب الدينية والأخلاق السليمة واقتلاع جذور الأسباب المؤدية لحالات الغضب في نفوس البشر، وبالتالي لن يتبقى سوى الحالات المرضية فقط والتي يتكفل بها الطب النفسي ولينعم الجميع بالهدوء وراحة البال بعيداً عن الغضب.. وهذا ما نتمناه وليته يتحقق!